وهو محكم في أمه ، متشابه في سواه ، إحكام الدلالة على مغزاه تفهما ، وتشابهها لغير البالغ فهمه ، دون قصور في الدلالة ، ولا عضالة في التعبير ، إلّا جزالة لأعلى قمم الفصاحة والبلاغة ، ولكنها الأفهام درجات ، والقرآن يحلّق على كافة الدرجات ، فآية واحدة هي محكمة لمستفسر وهي متشابهة لآخر وما هي إلّا هيه ، على حدّ المروي عن الإمام الرضا (عليه السلام): «المتشابه ما اشتبه علمه على جاهله»!
إنه متشابه المثاني كله ، ومتشابه المعاني بعضه ، ومحكم المعاني كله ، فإنه أحسن الحديث ، وقصور الدلالة من أقبح الحديث ، وتناقض الأبعاض من أقبح الحديث ولكن :
(اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ) ، لا سواه ، وكل حديث الله أحسن من سواه ، وكما الله نفسه حديث أحسن من سواه : (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللهِ وَآياتِهِ يُؤْمِنُونَ) (٤٥ : ٦) ولكن أحاديث الله في مختلف الرسالات بين حسن وأحسن ، وهذا القرآن هو أحسن الحديث بقول مطلق ، لا يوازى ولا يسامى طول الزمان وعرض المكان (وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ ...) (٥٥).
ولقد عبر عن القرآن بالحديث في اثني عشر موضعا اخرى في الذكر الحكيم (١) وهو ما يحدّث عنه ، فمنه ما يحدث كسائر الكون ، ومنه ما يحدث ولا يحدث كمكون الكون ، يتحدث عن كل محدث بلسان حال أو مقال وعلى أية حال ، فلسان الفطرة والعقل يحدثان عنه ، ولسان التكوين والتشريع محدثان عنه ، ويتلوه أحسن الحديث ، فهو حادث يحدّث عن كل
__________________
(١) وهي هنا و : ٤ : ١٤٠ و ٦ : ٦٨ و ٧ : ١٨٥ و ١٨ : ٦ و ٤٥ : ٦ و ٥٢ : ٣٤ و ٥٣ : ٥٩ و ٥٦ : ٨١ و ٦٨ : ٤٤ و ٧٧ : ٥٠ و ١٢ : ١١١.