ومتشابها مع محكمه في هذا التفصيل (كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ) نسخة طبق الأصل.
(كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ) وترى ما هي الصلة بين جمع المثاني صفة لمفرد الكتاب؟ علّها صفة لآياته في مثنياتها كلها ، وصفة للكتاب كله في مثانيه كلها ، ف «المثاني» جمع المثنية ، تعني المعطوف ، لانعطافها كلها مع بعض ، ولا سيما التي تتحدث عن موضوع واحد ، فهي تفسر بعضها بعضا وتنطق بعضها على بعض ، وهي تلائم بعضها بعضا في مختلف حقولها ، مثنية هنا في إثنتين.
وهي جمع المثنى لأنها تثنى على مرور الأوقات وكرور الحاجات فلا تدرس ـ ولا تنقطع ـ دروس سائر الكتب ، كما وهي تجدد حالا بعد حال في فوائده وإشراقاته ، فالقرآن يجري كجري الشمس ، لا غروب لإشراقه ، ولا أفول لإضاءته.
وقد نزلت آياته مثنى ، واحدة نزولا وأخرى تأليفا : (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ. إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ) (٧٥ : ١٨) ولا جمع إلّا بعد نزول.
وهي جمع مثنى الثناء ، فالقرآن معارض للثناء عليه في كله بكله ، ل (إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ) (بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ)! وهو في مثانيه المكرورة ، وعلى تجدد الحالات والحاجات المعروضة عليه ، المستضيئة به ، وفي مثاني معاطفه تفسيرا لبعضها البعض ، وموافقة لبعضها البعض ، وفي مثنى تأليفه الأليف ، هو في كل ذلك مثاني ومجالات للثناء ، وما أجملها خماسي المعاني للمثاني ، مما يحضّ على الثناء.
فالقرآن العظيم كله مثاني بكل هذه المعاني ، مهما كانت ل (سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي) منزلتها الخاصة بين سائر المثاني (وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ) (١٥ : ٨٧).