وهذه مباهلة عملية مع الذين لا تنفعهم الدعوة بأيّة حجاج إلّا مزيد لجاج ، وهذه نهاية المطاف لداعية الحق حينما تبلغ الحجاج ذروته ، ولا يتقبل المدعو أية برهنة إلّا ردا بقوله الزور ، وانتفاجة الغرور.
(إِنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ)(٤١).
«أنزلنا» إنزالا «بالحق» عليك «بالحق» «الكتاب» بالحق ، كتاب حق بإنزال حق على نبي حق (فَمَنِ اهْتَدى) بمثلث الحق «فلنفسه» دون أن ينتفع به الله ورسوله (وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها) لا على الكتاب الحق ورسول الحق والمرسل الحق (وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ) تجرهم إلى الهدى : (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) إلى صراط مستقيم.
و «للناس» هنا كما في غيرها دليل أنه (هُدىً لِلنَّاسِ) فهم ـ إذا ـ قادرون على تفهّمه ف «للناس» تعلّمه و «للناس» تطبيقه و «للناس» نشره ، وأنت رسول الله الى الناس بكتاب الله «للناس».
(اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرى إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)(٤٢).
هذه هي الآية الأمّ دلالة على حقيقة الموت والحياة البرزخية بعد الموت ، وتجاوبها بعض الشيء آية الأنعام : (هُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)(٦١).
أترى أن بينها وبين التي تجعل التوفي لملك الموت : (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ...) (٣٢ : ١١) والتي تجعله لسائر الملائكة الرسل : (حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا) (٦ : ٦١)