التجاهل والغفلة ، جهلا عامدا دون قصور ، حيث الجاهل القاصر معذور.
وليسوا هم بدعا من قائلي هذه القولة ف (قَدْ قالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) من أضرابهم وهم الأكثرية الساحقة في التاريخ (فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ) على هذه القولة الجوفاء الخواء (فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا) إصابة يوم الدنيا وأخرى يوم الدين (وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هؤُلاءِ) الحاضرين وإلى يوم الدين (سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا) على سواء (وَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ) الله.
نجد هذه الآية وأضرابها تكشف عن الفطر والعقول ركام الأهواء الهاوية والشهوات الخاوية ، تعرية من العوامل المصطنعة ، وتجريدا للإنسان في ضلاله عن كل حجة ، ضاربا إلى أعماق التاريخ في الغابرين ، ورابطا بينهم وبين الحاضرين والذين يستقبلونهم إلى يوم الدين ، حيث الكفر ملة واحدة ، وفي علة واحدة ، فإلى جهنم وبئس المصير.
وإنها تلمس قلوبهم بعرض مصارع الغابرين ، من هم أشد منهم قوة وأكثر آثارا في الأرض وعمارا (فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ).
ألم يعلموا بعد أنّ نعم الله بلايا وامتحانات قد تبوء إلى امتهانات ، فهي من الله على جهلهم لا منهم «على علم» منهم؟ فإن لم يعلموا :
(أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)(٥٢).
وهذا أمر ملموس أنه هو الذي يبسط الرزق وهو الذي يقدر ، فكم من كادّ في طلب الرزق الواسع ، وعالم كيف يكسبه وقد قدر عليه رزقه ، وكم من متبطّل جاهل يأتيه رزقه واسعا رغدا من حيث لا يحتسب.