وباطل الشرك كآية أنفسية قبل الآيات الآفاقية.
(إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ) (٢٥) وهل المخاطبون هنا هم الرسل ، يظهر لهم إيمانه بمعرض الناكرين ، ليشهدوا له عند الله؟ وكانوا شاهدين إيمانه منذ جاء من أقصى المدينة! والله هو شاهد الإيمان دون شهادة! أم هم الناكرون فليسمعوا إيمانه بحججه ليتبعوه أو يزيدهم حجة إذ ينكرون؟ ويناسبه «بربي» أو (رَبِّ الْعالَمِينَ) لا «بربكم» إذ كانوا يعبدون أربابا من دون الله! اللهم إلّا أن يعني الرب الفاطر الذي هم به مؤمنون.
قد يعنيهما جميعا جمعا بين الأمرين ، و «بربكم» دون «أربابكم» يختصه بالله الواحد ، ولأن رب المرسلين هو ربه ورب المكذبين ، وقد برهن لربوبيته الوحيدة في حجاجه ، فأحسن الصيغ هنا «ربكم» مما سرّ المرسلين وأغاظ الناكرين لحدّ قتلوه فور قوله الجاهر القاهر ، إذ كانت شهادته بالتوحيد ـ وهو رجل من أقصى المدينة ـ تجاسرا على أصحاب المدينة.
(قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (٢٦) بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (٢٧) وَما أَنْزَلْنا عَلى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّماءِ وَما كُنَّا مُنْزِلِينَ)(٢٨).
فأمره بدخول الجنة وتحسّره على جهل قومه ، وغفران ربه له ، وجعله من المكرمين ، و «من بعده» لمحات خمس أنهم قتلوه فور قوله : (إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ)!
والجنة هنا هي البرزخية حيث يدخلها المؤمن فور ارتحاله إلى رحمة ربه ، فإن الجنة الأخرى ليست إلّا للقيامة الكبرى ، وإلّا لشيء أصيل من هذا البدن قليل ، والبدن الآن بكامله تحت التراب أمّاذا؟ ولمّا تأت القيامة الكبرى ، فهذه من الآيات الدالات على الحياة البرزخية بعد الموت دون