أنهم يحسنون صنعا قصورا عن تقصير.
أنتم تطّلعون اليوم على مصيركم بكفركم دونما غفلة ، وقد كنتم يوم الدنيا في غفلة ، وما أوجع ذلك التذكير في التأنيب في ذلك الموقف الرهيب العصيب!
ثم الجواب منهم ليس إلّا كلمة التباب للذليل البائس اليائس «ربنا» وقد عاشوا نكران ربوبيته! انهم يستعطفون الرب بعطف ربوبيته ، وقضيتها العذاب عدلا للكافرين ، كما أنها الثواب فضلا للمؤمنين. (رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ ...) وما هما الإماتتان والإحياءتان؟
ترى الإماتة الأولى هي الموتة الكائنة قبل الحياة الدنيا ، فالإحياءة الأولى هي إحيائها ، ثم الإماتة الثانية هي عن الحياة الدنيا فالإحياءة الثانية هي عن البرزخ إلى الحياة الأخرى : (وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (٢ : ٢٨)؟ (١).
والموتة الأولى ليست عن إماتة ، فإنما خلقت الأجنة ميتات ثم أحييت! ثم ليست لهم في هاتين الموتتين ذكرى يعترفون بها بذنوبهم ، مهما كانت لهم في الإحياءة الثانية فليكتفوا بها في اعتذارهم وذكراهم!
أم إن الأولى إماتة عن الحياة الدنيا ثم الإحياء للبرزخ ثم الإماتة عنه والإحياء للأخرى ، ولم يذكروا الإحياء في الدنيا إذ لم تكن لهم فيها ذكرى وسبب للإيقان بالأخرى ، حيث (فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا) تفرّع اعترافهم بإماتتين وإحيائتين في كلها هذه الذكرى؟
__________________
(١) الدر المنثور ٥ : ٣٤٧ ـ اخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه عن ابن مسعود في الآية قال : هي مثل التي في البقرة (كُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ...) ومثله عن ابن عباس وقتادة.