الإرادة ، وبإرادته كان التقدير وبتقديره كان القضاء وبقضائه كان الإمضاء ، والعلم متقدم المشية ، والمشية ثانية ، والإرادة ثالثة ، والتقدير واقع على القضاء بالإمضاء ، فلله تبارك وتعالى البداء فيما علم متى شاء ، وفيما أراد لتقدير الأشياء ، فإذا وقع القضاء بالإمضاء ، فلا بداء ، فالعلم في المعلوم قبل كونه ، والمشية في المنشأ قبل عينه ، والإرادة في المراد قبل قيامه ، والتقدير لهذه المعلومات قبل تفصيلها وتوصيلها عيانا ووقتا ، والقضاء بالإمضاء هو المبرم من المفعولات ذوات الأجسام المدركات بالحواس من ذوي لون وريح ووزن وكيل ومأدب ودرج من إنس وجن وطير وسباع وغير ذلك مما يدرك بالحواس فلله تبارك وتعالى فيه البداء مما لا عين له ، فإذا وقع العين المفهوم المدرك فلا بداء والله يفعل ما يشاء ، فبالعلم علم الأشياء قبل كونها ، وبالمشيّة عرف صفاتها وحدودها وأنشأها قبل إظهارها ، وبالإرادة ميّز أنفسها في ألوانها وصفاتها ، وبالتقدير قدر أقواتها وعرف أولها وآخرها ، وبالقضاء أبان للناس أماكنها ودلهم عليها ، وبالإمضاء شرح عللها وأبان أمرها و (ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ)(١).
وختامه المسك لمحة لامعة أن جري الشمس ومعه كل جري ليس إلّا بتقدير العزيز العليم ، فللكل مبدء ومعاد وبينهما متوسطات الحياة ، فلجري الشمس مستقر التقدير من الله الى مستقر التكوير وبينهما عوان من مستقرات غروباتها وجريها في فلكها ، ومن الفارق بين المستقر وسواه أنه مصدر لفظيا ومعنويا وسواه صادر اسم زمان أو مكان.
فالشمس إذا تجمع بين مستقرات لها فعلية هي لزامها في كونها وكينونتها ، ومستقرات مستقبلة في أمكنة وأزمنة آتية يوميا وسنويا وعند
__________________
(١). نور الثقلين ٤ : ٣٨٥ ج ٤٨ في اصول الكافي الحسين بن محمد عن معلى بن محمد قال سأل العالم (عليه السّلام) ...