(وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (٤٨).
اقتراح متعنت مكرور على ألسنة الناكرين ليوم الدين (١) كأنه حجة على المصدقين ، وما هي الصلة بين كونهم صادقين وأن يعلموا متى وعد يوم الدين؟! أليس يعلم كل منا بيقين انه سوف يموت ولكنه لا يدري متاه ومداه ، فهل لنا نكران موتتنا إذ لا نعلم وقته بيقين؟ إن هي إلّا هرطقة حمقاء يخيّلون إلى الحمقاء كأنها حجة على كذب هذا الوعد!
ولا جواب لهذا السؤال ـ وبعد كافة البراهين القاطعة على إمكانية وضرورة المعاد ـ لا جواب إلّا واقعه ، إذ لا انتظار بعد لجواب آخر :
(ما يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ)(٤٩).
وإنها صيحة الإماتة لقيامة التدمير ، وتتلوها صيحة أخرى لقيامة التعمير ، وترى كيف ينظرونها وهم ينكرونها؟ إنه واقع الانتظار وإن كانوا ينكرون ، حيث المنتظر لهم واقع الجواب ، فإذا لا تقنعهم البراهين القاطعة فلتكفهم صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون.
إنهم ما ينظرون إجابة عن (مَتى هذَا الْوَعْدُ) فحتى لو حدّد لهم كذبوه وزيادة ، فليس لهم ـ إذا ـ إلّا واقع الانتظار لواقع الجواب وآخر الدواء الكي!
إن الصيحة الواحدة تأخذهم على غفلة ونكران ، إذا فالارتجاف أتم والإيخاف أعظم وأطمّ ، وتكفيهم إجابة عن سؤالهم المستهزء المتعنّت ، ثم الصيحة الثانية واقعة وليست إجابة بعد الأولى ، ولذلك (ما يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً) لا أكثر ، (وَما يَنْظُرُ هؤُلاءِ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً ما لَها مِنْ فَواقٍ) (٣٨ : ١٥) وتلكم الصيحة الواحدة تجعلهم حيارى لحد: (فَلا
__________________
(١) نجد نفس الصيغة في ١٠ : ٤٨ و ٢١ : ٣٨ و ٣٤ و ٦٧ : ٢٥ : ٢٥. وآية يس خامستها.