الناتجة عن النفخة الأولى بأبدانها المثالية ، وفي نسل الأبدان الدنيوية على قدر.
وهو نقرة الناقور (١) تضرب إلى الأعماق (فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ).
فكما الصيحة الأولى أماتتهم لوطئتها ، كذلك الثانية تحييهم لوقعتها ، إزعاجة لها فاعليتها ، إماتة مرة وإحيائة أخرى ، ولا عوان بين إماتة وإحياء للأرواح ، فالصيحة الصور بين إماتة كالأولى وإحياءة كالثانية ، ولأن الأرواح ـ إلّا من شاء الله ـ مصعقة في النفخة الأولى ، كما الأبدان ميّتة ، فنسلهم من أجداثهم إلى ربهم هو إفاقة الأرواح ورجعها إلى أبدانها (فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ) (وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ).
وترى ما هو نسلهم من أجداثهم إلى ربهم؟
الأجداث هي القبور : الأمكنة التي تحوي الأجساد برزخية ودنيوية بأرواحها ، سواء أكانت تحت الأرض أمّاذا؟ مجموعة الأجزاء أم متفرقة ، منضمة إلى أشياء أو أبدان أخرى أم مستقلة ، فإنها لا تضلّ عن علم الله مهما ضلت عنا ، فللكل أجداث لأجسادهم وأرواحهم وهي المحالّ التي تضمها : (وَقالُوا أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ ... قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ) (٣٢ : ١١) (يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ) (٧٠ : ٤٣) (خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ) (٥٤ : ٧) : خروجا للأرواح داخلة في أجسادها على قدر اللازم في المعاد.
والنسل هو الانفصال (وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ) (٢١ : ٩٦)
__________________
(١) راجع ج ٣٠ ص ٣٤ ـ ٣٦ من تفسير سورة النبأ ففيه نبأ فصل عن الصور.