انفصالا من كل المرتفعات ، كما انفصال الذرية عن الآباء : (ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ) (٣٢ : ٨) (وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ) (٢ : ٢٠٥).
أفترى أن نسلهم من أجداثهم هو ـ فقط ـ انفصالهم عنها بأجسادهم؟ وليس كل انفصال نسلا! بل هو انفصال خاص في انفعال خاص كنسل الذرية عن الآباء وهو الخاص بيوم الدنيا ، ونسل الإنسان مرة أخرى يوم الأخرى دون آباء (كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ) (٧ : ٢٩) ولكنهم ينسلون هنا سراعا دون مكوث الأولى في رحم أمّاذا؟.
فإذا كان العود كالبدء إلّا في الآباء والمكوث في الأرحام ، فليكن «ينسلون» خلقا لهم جديدا لهم كما خلقوا أوّل مرة.
إنهم ينفصلون بكل أجزائهم عن كل اتصال غريب ، ثم تنفصل أجزاؤهم الأصيلة التي عاشوها في حياة التكليف وكل الحيات ، ثم تنسل هذه الأجزاء لخلق آخر كالأوّل ، دون اختلاف عن الخلق الاوّل إلّا فيما نعلمه هنا (١) أمّاذا؟ سراعا ودون أصلاب وأرحام! فنطفته التي خلق منها أوّل مرة بطول الآماد والأبعاد ، يخلق منها مرة أخرى دون أبعاد وآماد ، ودون أصلاب وأرحام.
وهنا نسل الأرواح هو انفصالها عن صعقتها ، ونسل الأبدان كما بيناه ، ثم الأرواح ترجع إلى أبدانها ، وهذا النسل المثلث يكون إلى ربهم (فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ)!
إن النفخة الثانية تنسلهم إلى ربهم سراعا دون مهل ، خلاف ما كانوا
__________________
(١) كخروج النطفة من الصلب والترائب واستقرارها في الرحم طول مدة الحمل ، وتنقّلها من صورة إلى صورة حتى انشأها الله خلقا آخر.