وماذا تعني «ما يدعون»؟ إنه من الادّعاء : الافتعال من الدعوى ، أي : ما يتطلّبون لأنفسهم ويتمنون دونما حد ولا حدود : (وَلَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ (١) نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ) (٤١ : ٣٣) وعلّ الفارق بين الاشتهاء والادّعاء أن الثاني اشتهاء ظاهر في طلب ، والأول يعمه ودون طلب ، وأنه يعم الادعاء في الأولى كما الأخرى ، والأول اشتهاء يوم الأخرى : (وَقِيلَ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ) (٦٧ : ٢٧).
وكما أن في حصول ما يشتهون دون طلب حفاوة وإكراما كذلك فيما يحصل بطلب ، حيث المطلوب هو الرب الرحيم ، والطلب منه تعالى بحصول المطلوب رحمة على رحمة وحفاوة على حفاوة ، فمن العباد من يعطيهم ربهم هنا بعض ما يشتهون دون طلب لكيلا يطلبوا فيسمع دعاءهم لبعدهم عن ساحته ، فمهما لم يكن في الجنة بعد لأهلها ف (لَهُمْ ما يَدَّعُونَ) إكرام لهم بصورة أخرى بعد (لَهُمْ ما يَشْتَهُونَ)!.
ثم ولهم في كونهم فاكهين : (سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ)(٥٨) هم في دار السلام لهم سلام من الرب الرحيم السلام ، سلام قولا منه هنا دون وسيط كما سلام حالا وفعلا هناك ، سلام على سلام! فإنها «دار السلام».
لأصحاب الجنة كل سلام ولأصحاب النار كل سأم ، قولا لهولاء «سلام» ولأولاء في كلمة خاطفة :
(وَامْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ)(٥٩) : أمر تكويني للذين أجرموا بامتيازهم وانفصالهم عنهم مكانا ومكانة وخطابا وحالا ومقالا أم أيا كان مما يكون وما كان.
إنهم يتلقون كل تحقير وترذيل يستحقونه بما كانوا يجرمون في كل الجهات والجنبات بأمر إمر : «وامتازوا» :