ليهتدوا إليه (وَلَوْ نَشاءُ) ـ ولن! إذ لن يستطيعوا ـ (لَطَمَسْنا عَلى أَعْيُنِهِمْ) : إلحاما للشقوق بين الأجفان حتى تكون مبهمة لا شق فيها ولا شفر لها ، وبأحرى ـ إذا ـ يبطل إدراكها كسفا لأنوارها فصارت ممسوحة لا يبصرون (فَاسْتَبَقُوا الصِّراطَ) في التزاحم التسارع إلى الصراط ، استبقوه متجاوزين عنه! جاعلين إياه ورائهم ظهريّا (فَأَنَّى يُبْصِرُونَ) أنهم جاوزوه ، وأنى يبصرون الصراط حتى لا يسبقوه؟
أم لو أنهم اهتدوا إلى الصراط على طمسهم بغتة وصدفة ، رغم استحالة اهتدائهم حتى إذ أبصروا ، هنا «لو نشاء» ولن (لَمَسَخْناهُمْ عَلى مَكانَتِهِمْ) : إمكانيتهم في المضي ، ومكانهم ، ومكاناتهم التي يزعمون (فَمَا اسْتَطاعُوا مُضِيًّا) إلى الصراط «لا يرجعون» إلى دنياهم تخلصا عن بلية العقاب.
هذه الطمسة المسخة ليست بذلك البعيد عن قدرته تعالى وبالنسبة للكافرين المستحقين لها ، كيف؟
(وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلا يَعْقِلُونَ)(٦٨).
إن النكسة في الخلق هي في أرذل العمر : (وَاللهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ) (١٦ : ٧٠) فلا يزال الإنسان منذ ولادته إلى قوة ولحد الأربعين ، ومن ثم يتنازل إلى ضعف وضعف لحد النكسة الأرذل حيث تزول طاقاته الجسمية والروحية ولحد الطفولة وأرذل : (اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ) (٣٠ : ٥٤) إنا نعيد الشيخ الكبير إلى حال الطفل الصغير ، في الضعف بعد القوة والتثاقل بعد النهضة ، والأخلاق بعد الجدة ، تشبيها بمن انتكس على رأسه فصار أعلاه سفلا وأسفله علوا.