«الله» أو (رَبِّ الْعالَمِينَ) إحالة ثالثة ، فإنه ـ وهو ربنا ـ لم يرسلنا ونحن بشر كالمرسلين البشر ، فهم ـ وهم ناكرون للرسالات الإلهية ـ يعتذرون في نكرانهم بثالوثهم ، وحجتهم داحضة عند ربهم لو كانوا يعقلون.
(فَأَمَّا عادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ)(١٥).
وهل هناك استكبار بحق حتى يوصف هنا (بِغَيْرِ الْحَقِّ)؟ علّه كقتلهم النبيين بغير حق تأكيدا لبطلانه! أم ولأن استكبار المستضعف أمام المستكبر الظالم هو استكبار بحق ، أخذا لحق او دفاعا عن حق ، وقد يروى أن التكبر مع المتكبّر عبادة! ولكنه ليس استكبارا فإنه طلب الكبر لمن ليس بنفسه كبيرا أو لا يحق له الكبر ، ولا تجد في سائر القرآن استكبارا بحق فكلّه دونما استثناء بغير حق ، وقد تعنيهما (بِغَيْرِ الْحَقِّ) حيث الاستكبار الحق هنا ضمن المعني المتحرز عنه (بِغَيْرِ الْحَقِّ).
وفي تاريخ الاستكبارات الباطلة قوّات بعضها فوق بعض (كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوالاً وَأَوْلاداً ... أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْراهِيمَ وَأَصْحابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكاتِ ..) (٩ : ٧٠) فمنهم أولاء وهم كانوا أشد منكم قوة ، وثالث هم أشد من أولاء (وَقالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً)؟ كأن لم يروا أشد منهم قوة ، فإذا لم يروا (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً)(١) او ليس الله بقادر على أن ينتقم منهم؟ (وَكانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ) ـ :
(فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ
__________________
(١) فالواو هنا عطف على محذوف هو «ا لم يروا» والا لم يكن لها موقع أدبي ومثله كثير في القرآن.