هنا (لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا) تهديد لهم أوّل أنه عليهم رقيب عتيد ، بجزاءهم (يُلْقى فِي النَّارِ) ثم تهديد ثان نهيا شديدا بصيغة الأمر (اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) فقد بدء التهديد ملفوفا ـ يخيف (لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا) فهم مكشوفون لعلم الله ، مأخوذون بما يلحدون في الله مهما غالطوا والتووا وحسبوا أنهم مفلتون من يد الله كما قد يتفلتون من حساب الناس!
وثم صراح التهديد (أَفَمَنْ يُلْقى فِي النَّارِ ..) وفي النهاية لفتة أخرى علها أقوى منها (اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ ..)! أتراهم يغلبون آيات الله في هذه الإلحادات ولكيلا تبقى حجة بالغة على الناس؟ كلّا! مهما فعلوا ما افتعلوا ، فإن الله يحافظ على آيته الأخيرة الخالدة «القرآن» تداوما لحجة الله البالغة على الناس وتدليلا على ما فعلوه في الزبر :
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ (٤١) لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ)(٤٢).
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ) الأخير ، كل الذكر وهو القرآن العظيم ، كفرا في مختلف دركات الإلحاد في آياته (لَمَّا جاءَهُمْ) وقد خيل إليهم أنه كسائر الذكر ، فبإمكانهم كل تحريف فيه وتجديف ، (وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ) غالب على كل إلحاد فيه أيا كان (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ) من أي مبطل (مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ) لأنه (تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ)!
أترى ما هو الخبر عن هذا المبتدء؟ علّه محذوف مستفاد من (يُلْقى فِي النَّارِ) للذين يلحدون في آياتنا حيث الإلحاد في القرآن هو من أبرز مصاديقه وأحقها إلقاء في النار ، ف (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جاءَهُمْ) إلحادا فيه (يُلْقى فِي النَّارِ) فإنهم كفروا به حال (وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ ..).