غشية الموت وغفوة الفوت ، فلا حياة لمن تنادي منهم ، ولا حياة لمن نادوا بنزول سورة القتال ، ولا وفاء لمن وعدوا خوض النضال ، ثم ولا إيمان أصلا للمنافقين إذ لم يشاركوا وحتى ضعفاء الإيمان في نزول سورة القتال! (فَأَوْلى لَهُمْ) :
أولى للمنافقين نفاقهم هذا من وفاقهم ، وكأنهم خلقوا للنفاق ، فلا يرجى منهم أي وفاق : و «أولى لهم» من هذه الفضيحة العار ، ومن هذا الخور البوار (طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ)! أن يتركوا النفاق إلى الوفاق ، كما لأبي جهل في كفره : (أَوْلى لَكَ فَأَوْلى. ثُمَّ أَوْلى لَكَ فَأَوْلى) (٧٥ : ٣٥) أن يترك الكفر إلى الإيمان ، أم يبقى على كفره كأنه خلق للنار!
ثم وأولي للمؤمنين الذين قالوا لو لا نزلت سورة ، ولكنهم كذبوا ـ (فَأَوْلى لَهُمْ) :
(طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ) : طاعة لله إذا أنزلت سورة تحمل فرض القتال أم ماذا ، وقول معروف صادق : ترجّيا لنزول سورة القتال صادقين كسائر المؤمنين ، أم قولا صادقا سواه إذ ليسوا من أنفسهم آمنين أن يثبتوا على هذه المقالة (فَأَوْلى لَهُمْ طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ) : كما أولى للمؤمنين الصادقين إيمانهم في قولهم (لَوْ لا نُزِّلَتْ سُورَةٌ) فلما نزلت صدقوا الله! فأولى لفريقي المؤمنين وقسمي الكافرين (طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ) من الفضيحة العار ، لكلّ حسب شأنه المؤمن أو الشائن (١).
__________________
(١) هذه المحتملات ـ وكلها صحيحها تتحملها الآية ـ تدور حول رجوع ضمير الغائب في «فَأَوْلى لَهُمْ» الى فريقي المؤمنين ، المعنيين بقوله تعالى «وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا» والى الكفار والمنافقين ـ ثم «فَأَوْلى لَهُمْ» مبتدء خبره طاعة وقول معروف ـ او خبر مبتدء محذوف ك «هذا» اولى لهم ـ وإذ احتملت الآية معاني عدة لا تنافر بينها وكلها سليمة ـ فلا ضير ان تكون كلها معنية ، وكما ترونه في اسلوبنا في هذا التفسير.