(فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللهَ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ) :
فإذا عزم أمر القتال كواقع مفروض ، وبعد أن أنزلت سورة القتال دون ترجّيهم كذبا وزورا أو غرورا ، فهناك الامتحان الامتهان لمن لم يصدق في مقاله (لَوْ لا نُزِّلَتْ) والامتحان الناجح لمن صدقوا الله : (فَلَوْ صَدَقُوا اللهَ) بخوضهم المعركة بعد إذ عزم أمر القتال (لَكانَ خَيْراً لَهُمْ) من خوض الترجي الخواء في المقال ، فعند الامتحان يكرم المرء أو يهان ، وعند تقلب الأحوال يعرف جواهر الرجال!.
وترى كيف ينسب العزم هنا إلى الأمر ، وليس إلا توطين النفس على الأمر ، ولا نفس للأمر ـ أيّ أمر؟.
إنه بلاغ وبلوغ في العزم على الأمر ، وكأن الأمر هو العازم في نفسه ، ويا له من بلاغة رائعة في التعبير عن مدى العزم.
(فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ) :
تنديد شديد بالمفسدين ، منافقين أو ضعفاء من المؤمنين ، حينما يتولون عن أمر الجهاد متثاقلين ، وحينما يتولون أمور المسلمين (١) والمعنيان هما المتوقعان من حال المخاطبين ، الذين يقولون ولا يعملون ، قولا في ترجي الجهاد : لو أنزلت سورة ذكر فيها القتال ، ثم هم أولاء يخالفون ، يقولون في المجالس كيت وكيت ، فإذا جاء الجهاد فحيدي حياد! أم قولا في ترجي الإصلاح أن لو تولوا أمور المسلمين فلسوف يصلحون ، فقولهم قول عجاب ، ثم عملهم في تباب : (وَمِنَ
__________________
(١) التولي هنا يحتمل التولي «عن» من الولاء لا الولاية ، فهو الإعراض عن امر الله او التولي «إياه» من الولاية فهو التصدي للحكم من تكلف الولاية او تقبلها ، والآية تحتملهما ـ مهما كان الاول انسب معنى بمناسبة المورد ، والثاني انسب لفظا إذ لم يتعدّ ب «عن» فالمتبع عموم اللفظ لا خصوص المورد لو كان ، فالمناسبة المعنوية لا تختص الآية بنفسها ، ويؤيده ما رواه في مجمع البيان عن النبي (ص) (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ) يعني ان توليتم امور المسلمين.