للذكرى ، فالقلوب المقلوبة المقفلة الغافلة لا تستطع ان تتذكر بالقرآن وإنما القلوب المنفحة بالصدور المنشرحة هي التي تسكب عليها الأنوار ، فتستحم بالنور فتحى بحياة أرقى وأحيى ، بأنوار معارف القرآن العظيم ، إذ تحرك مشاعرها وتستجيشها فتجندها وتعسكرها لحرب الطغوى في محاريب التقوى.
فالقلوب الحية المنفتحة هي التي تتدبر القرآن ، ثم تنفتح وتحيى أكثر مما كان تعاملا بينها وبين القرآن وتجاوبا في الاستحياء بحياة أضوء وأرقى ، فالقرآن حياة للقلوب «جعله الله ريا لعطش العلماء ، وربيعا لقلوب الفقهاء ، ومحاجا لطرق الصلحاء ، ودواء ليس بعده داء ، ونورا ليس معه ظلمة».
والغاية القصوى لنزول القرآن تدبر آياته : (كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ) (٣٨ : ٢٩) : يدبّروا فيه فيتذكروا انه وحي خالص من الله دون خلط بسواه : (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) (٤ : ٨٢). فتدبره يثبت انه من عند الله ، ومن ثم يربط الإنسان بخالص الوحي ويخرجه من الظلمات إلى النور ، ولا يعني تدبره ، تصفح أقوال الرجال ، أم كلما يروى من قيل وقال ، حتى إذا لم يوجد رأي أو رواية تفسر آية وقفنا في تفسيرها حائرين ، كأن القرآن ليس بيانا أم ليس فيه تبيان! مهما كان لتدبره أهل خصوص ، لا عامة الناس ، ولا الذين يعرفون فقط لغة القرآن ، وإنما الخواص الذين يعيشون القرآن حياتهم ، فهم حياتهم القرآن وأخلاقهم القرآن! مهما كان لكلّ نصيب من معاني القرآن ، وكما يروي الإمام الحسين عن أبيه علي أمير المؤمنين (ع): (كتاب الله على أربعة أشياء ، على العبارة والإشارة واللطائف والحقائق ، فالعبارة للعوام ، والإشارة للخواص ، واللطائف للأولياء ، والحقائق للأنبياء).