فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ) السورة.
فإسرارهم لطاعتهم في بعض الأمر يوحي بإصرارهم لهؤلاء المذبذبين أن يطيعوهم في كل الأمر ، ولكنهم وعدوهم إسرارا : (سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ) ولماذا في بعض الأمر؟ عله لأن طاعتهم في كل الأمر تكشف النقاب عن نفاقهم ، فلا يقدرون على التجسس لصالح الكفار ، ثم هم واقعون في محاظير الكفر وجاه الدولة الإسلامية ، حارمين أنفسهم عن عوائد الإسلام الاستسلام ، وعن دوائر السوء التي يتربصون بها على الإسلام ، أو إنهم انحرفوا حالا في بعض الأمر ، فلا يطيعونهم إذا في كل الأمر ، فإن دركات الكفر هي تلو بعض حتى تجرف بالإنسان إلى شفا جرف هار : أن يطيعوهم في كل الأمر.
والذين كرهوا ما نزل الله ، يعم المشركين وسائر الكفار لا سيما اليهود ، إذ كانوا يتوقعون ان تكون الرسالة الأخيرة فيهم ، مؤولين البشارات بحق محمد الإسماعيلي إلى نبي إسرائيلي ، فلما اختار الله آخر رسله من بني إسماعيل ـ لا إسرائيل ـ كرهوا رسالته وما أنزل الله عليه ، ومن قبل كانوا كارهين لما أنزل الله على أنبياءه بحقه فاستنوا سنة التأويل والتجديل ، وشنوا على الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم حرب الدس والمكيدة ، بعد ما عجزوا عن مجاهرته مناصبة العداء : عن حرب التنكيل ، وضموا إليهم كل منافق وحانق ، وكل ضعيف الإيمان ، فأطاعوهم في بعض الأمر ، ومن ثم في كل الأمر ، ولكنهم كلّ أمرهم في إمرهم إذ أجلاهم الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم عن الجزيرة في آخر الأمر ، ومعهم المشركون أجمع.
(فَكَيْفَ إِذا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ) :
هؤلاء التابعون ، وكما المتبوعون الكافرون : (وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ) (٨ : ٥٠).
ويا لها من مأساة ، ضرب الوجوه التي اتجهوا بها إلى غير الله ، والأدبار التي