(لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً).
لقد مضت آية في هذه المبايعة المجيدة المرضية وهذه ثانيتها ، تنحو منحى تحقيق الرضى عن المؤمنين : (إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ) أن اطمأنوا الى الله عما شجر بينهم من زعزعات ومشاجرات ، فبايعوك هناك ثانية بعد مبايعة الايمان لمّا آمنوا ، بعد ما اصطدم بعرقلة الصلح في الحديبية «لقد رضى» عنهم إذ بايعوا (فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ) من رضي بمرضات الله واستسلام الأمر اليه ، (فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ) كجزاء حال على مبايعتهم ، تطمئنهم عما اضطربوا (وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً) فتح خيبر ومكة ، كجزاء مستقبل محتوم كأنه امر مضى ، كما عبر عنه أولا بما مضى : «انا فتحنا».
نرى هنا إثابات تلو بعض ، لأن المؤمنين في جبهة الحديبية بايعوا صاحب الرسالة تحت الشجرة السمرة (١) ، فلم تكن سهلة هينة لا تعدوا الخيال والمقال ، وانما عملية ممتحنة صعبة ، وعقبة كئودة ملتوية اجتازوها ناجحين مهما نكثها ناكثوها (فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ) فهم خارجون عن اثاباتها لمّا نكثوا ، وانما هي للأوفياء (وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً).
ولقد قال لهم صلّى الله عليه وآله وسلّم : «أنتم خير اهل الأرض» (٢) فهل انهم الالف والاربعمائة الذين بايعوه ، كلهم بمن نكث بعدئذ ومن اوفى؟ فكيف يكون الناكث للبيعة من خير اهل الأرض؟!.
__________________
(١) الدر المنثور ٦ : ٧٣ ـ اخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن سلمة الأكوع (رض) قال : بينا نحن قائلون إذ نادى منادي رسول الله (ص) أيها الناس البيعة البيعة نزل روح القدس فثرنا الى رسول الله (ص) وهو تحت شجرة سمرة فبايعناه فذلك قول الله : (لَقَدْ رَضِيَ اللهُ ..).
(٢) المصدر عن جابر بن عبد الله (رض) قال : كنا يوم الحديبية ألفا وأربعمائة فقال لنا رسول الله (ص) «أنتم خير أهل الأرض».