(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)
.. ترى ماذا تعني (بَيْنَ يَدَيِ اللهِ)؟ إنها الأمام تشريعا أم سواه ، وليست اليدين الجارحتين ، فاليدان لا تختصان بهما وإن لمن له جارحتان ؛ كالموارد التي لا تناسبانها مثل عقدة النكاح : (أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ) (٢ : ٢٣٧) وكسائر الموارد للمخلوق الذي ليست له جارحتان : (إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ) (٣٤ : ٤٦) (إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً) (٥٨ : ١٢) فكيف إذا لمن تستحيل له اليدان الجارحتان ، مهما تمحّل له من لا يعرف معاني الكلام : ان له يدين جارحتين كما تناسب ساحة قدسه ، من تناقض جارح لساحة قدسه (١) قارح لتجرده عن كافة الحدود والأمثال.
فهنا التقديم بين يدي الله ، ليس ان تقدم نفسك في مشيتك على الله فلا له مشي على الأرض ام سواها ، ولا ان هناك ـ لو كان ـ تماشيا وتسابقا حتى ينهى عنه ، وانما هو تقديم لك عليه في اعتقاد او مقال او فعال كتشريع وحكم ام ماذا؟ ف (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ) (٦ : ٥٧) (وَاللهُ يَحْكُمُ
__________________
(١) فما هو إلا مثل ما يقال : ان الله يجهل كما يناسب ألوهيته ، ويعجز كما يناسب ألوهيته ، وينزل من سماء الى سماء ويصعد كما يناسب ألوهيته! فان من الصفات والأفعال ما لا تناسب ساحة الالوهيته في أي معنى أخذت ـ كهذه وكالظلم والنسيان والسهو والخطأ ـ وسائر ما يختص بالمخلوقين ـ كما أن منها ما يختص به تعالى دون أن يشاركه فيها غيره باي معنى كان ـ كالرحمانية والرحيمية والمعبودية والمشرعية .. وان كان منها ما تنسب الى الله كما يناسب ذاته وتنسب الى غيره كما تناسبه ـ فاللفظ مشترك والمعنى متباين ـ كالوجود والعلم والقدرة ـ فالله موجود والخلق موجود ولكن الوجودين متباينان ـ فأين الوجود الأزلي والحادث وأين الأبدي والفاني ـ والمجرد والمادي ـ وأين وأين ـ ومن هذه الألفاظ اليد والعين وأشباهها فانها تستعمل في معاني مختلفة حتى لمن له هذه الأعضاء ، فكيف بمن ليس له أعضاء؟
فالمعلوم قطعيا هنا أن اليدين بالنسبة لله ليستا الجارحتين ، وانما صفات أو افعال تناسب ذاته تعالى ، لا اجزاء من ذاته فليست له اجزاء.