(يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)
هتاف عام هام للانسانية جمعاء ، الصادرة من أصل واحد ، أخذا لها إلى اصالة واحدة لا تناكر فيها ولا تكاثر او تنافر ، هي اصالة ركزت لها كل رسالة إلهية ـ ألا وهي (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ).
ف «يا أيها» نداء بعيد تضرب إلى الغور ، تناسيا كافة التفاضلات الموهومة بين الناس ، تاركة كافة الألقاب الارضية المختلقة ، الا واحدا هو من خلق الله : «الناس» وليحملهم خالقهم ـ على هذا الأساس ـ الى شرعة الناس ، على ضوء شريعة خالق الناس: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ) حيث تتوارى كافة النزعات والمنازعات ، وتتهاوى كافة القيم التي يتكالب عليها الناس : حيث الميزة الوحيدة في ميزان الله هي تقوى الله ؛ التي لا يتكالب عليها الناس ، وانما الناس هم الذين يتشاجرون على سائر الميزات : الطغوى!. فكل ميزة وراء التقوى هي طغوى لا تزداد إلا حياة جهنمية فوضى.
ان لواء التقوى المرفوفة على الألوية كلها ، العالية من على الأعالي في ارض الإسلام ، إنها لا تسمح لألوية القوميات والعنصريات والاقليميات والطائفيات ان ترفرف او تبقى لها باقية ، اللهم الا باغية يحاربها الإسلام ، ويسميها رسول الإسلام صلّى الله عليه وآله وسلّم عصبية جاهلية ، دعوها فانها منتنة (١).
تلكم اللواء هي التي تلوي باعناق المتجبرين المتكاثرين ، الذين يحملون رايات العصبيات العارمة ، من قوميات عربية وسواها وكما خطب الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم يوم فتح مكة قائلا : «يا أيها الناس ان الله قد أذهب عنكم بالإسلام نخوة الجاهلية وتفاخرها بآباءها ، ان العربية ليست بأب والد ، وانما هو لسان ناطق ، فمن
__________________
(١) رواه مسلم في صحيحه من حديث جابر بن عبد الله الانصاري عنه (ص) : ..