.. أقوام ثمان من أنحس المكذبين في التاريخ الرسالي وأشرسهم ، فالرسالة واحدة ، والكفر أيضا ملة واحدة ، مهما اختلفت شواكله ، فلا تغتم بما كذبوك ، ولا تهتم بما عذبوك ، فالسبيل إلى الله شائك مليء بالدماء ، مفروش بالأشلاء ، فعليك أن تخوض المعارك بكل صبر وصمود ، حتى تخلص إلى المقصود.
وإنها لفتة سريعة دون تفصيل ، إيقاعا على القلوب بمصارع الغابرين الغادرين ـ إذ (كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ) وترى كل من هؤلاء الثمان كذب كلّ الرسل ، وكما توحي به «كل»؟ ولم يكذب إلا رسالة واحدة أو رسالات ، دون كل الرسالات!.
أجل ـ ولأن رسالة واحدة نموذج عن كافة الرسالات ، تضرب بجذورها في أعماق الزمن الرسالى ، فالرسل إخوة في الدعوة والمدعو له ، فمن يكذب برسالة واحدة ، فهو مكذب بسائر الرسالات جاهلا أو متجاهلا : (وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْناهُمْ) (٢٥ : ٣٧) وما كذبوا إلا نوحا إذ لم يكن معهم غيره! (وَتِلْكَ عادٌ جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ) (١١ : ٥٩) وإنما هم قوم هود!
كما و (كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ) وما هو إلا صالح! و (كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ) وعلّه ـ فقط ـ لوط ـ أو وإبراهيم (ع) و (كَذَّبَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ)(٢٦ : ١٢٣ ـ ١٧٦).
والمجهولون هنا منهم هم أصحاب الرس والأيكة وقوم تبع ، وهم معروفون في مواردها من آياتها (١).
* * *
__________________
(١) فأصحاب الأيكة وهم قوم شعيب يأتي ذكرهم في سورة الحجر والشعراء وص وقوم تبع في الدخان وأصحاب الرس في الفرقان.