(مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ) هو إعادة القديم مادة ، وتلبيسه بلباس جديد صورة ، وفي نشأة جديدة سيرة ، فهو إذا إعادة أكثر مما هو تجديد (يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) إذ يجدد ما يلي من أجزاء البدن المعاد ، ثم يعيد فيه الروح للمعاد ، (بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ) : (أَإِذا كُنَّا تُراباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) (١٣ : ٥) (وَقالُوا : أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً. قُلْ كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) (١٧ : ٥١) انهم عائشون دهرهم في التباس ، مائعون تائهون دوما في ارتكاس ، ثم ويوم المعاد لات حين مناص ، والله يعلم ما تكن صدوركم من وسواس :
(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ)
إن مصطنعي الآلات أدرى من سواهم بأسرارها وخباياها ، رغم أنهم لم يصنعوا موادها ، وإنما اصطنعوا منها صورها ، فما ترى إذا لخالقها؟ الذي خلق موادها وصورها : (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)؟ :
(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ) فيما خلقناه «و» نحن «نعلم» منه كل سر وعلانية ، ومنه (ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ) حيث نفسه من خلقنا ، فإذا هو عارف بوسواس نفسه وليس بخالقها ، فما ذا تظن إذا بخالقها؟ إنه أقرب إليه منه نفسه! : (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ) قدرة وعلما (مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) : الذي يجري فيه دم الحياة!.
فحبل الوريد هو العرق الذي يسمى حبل العاتق ، وريدان عن يمين العنق وشماله ، فالله يعلم غيب الإنسان ووسواس إضماره ، ونجى أسراره ، وأقرب منه وأكثر ، فالعالم بخفايا قلب الإنسان أقرب إليه من عروق حياته قرب العلم والإحاطة ، وليس قرب المسافة والمساحة.