الألت : النقص ـ من أعمالهم وليس من جزائهم؟ وما هو دور (كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ) هنا؟.
الذرية في الأصل من الذر : الصغير ومنهم صغار الأولاد والأهل ، فهم الأتباع ـ أيا كانوا ، بطبيعة الحال ـ لمن يعولهم ويربيهم ويدير شؤونهم ، فيتبعونه فيها ، وكذلك في الإيمان أو الكفر ، وإذ نتوسع في معناها نعممها لكافة الأتباع : من بنين وأهلين وآباء وأمهات وسواهم ، أقارب وشعوبا ما هم أتباع ، وكما يعبر عنهم الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم بالرعية : «ألا كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته».
فالذرية مضمّن فيها معنى الضعف والقصور ، ولو أحيانا : (أَوْ تَقُولُوا إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ) (٧ : ١٧٣) مهما كانوا كبار في الأعمار ، أو لم يكونوا من أولاد رعاتهم ، وأخرى تتحلل عن ذلك متمحضة في التنسل فحسب ، فقد تفوق الآباء والجدود ، كما النبيون على آبائهم غير النبيين ، أو من هم دونهم في النبوة ، وكخاتم النبيين على بني الإنسان كافة ، إلا أن ذلك بدليل ، كما وأن الضعف والقصور في المكانة والاستعداد يعرف بدليل كما هنا.
فالذرية هنا من القبيل الأخير ، بدليل اتباعهم رعاتهم الأصول بإيمان ، فهنا مؤمنون متفوقون في الايمان ، وآخرون يتبعونهم من ذريتهم بإيمان ، فلو كانوا كآبائهم أو فوقهم لم يكن لاتّباعهم لهم من معنى! كما وأن في إلحاقهم بهم في ثواب الايمان ، أو حكمه ، أو درجاته : مكانا أو مكانة ، ان في ذلك دلالة ثانية على قصورهم عنهم ، وإلا فلما ذا الإلحاق؟ لو أنهم كآبائهم أصلاء في الإيمان ، فليكونوا في ثواب الايمان ودرجاته أيضا أصلاء.
ثم اتباعهم بإيمان ، إنه ـ ولا بد ـ من فعلهم ، مهما ساعدته توجيهات من المتبوعين ، كما يوحيه الاتّباع ، فهنا شروط مثلثة تتجاوب في إيمان الذرية الأتباع : توجيهات من الأصول تهيئ ظروف الإتّباع وأجواءها ، ومحاولات من الفروع استجابة لأصولها ، وتوفيقات من الله تربط بين الضلعين ليكمل مثلث