وأحرى لا تماروه فيما يرى ببصيرته ، بلب قلبه الملتهب (١)(وَلَقَدْ رَآهُ) : ربّه هكذا أو أدنى «نزلة أخرى» ..
ومما نستوحي من «رأى» مرتين و «يرى» أنه حصلت له الرؤية المعراجية مرتان في معراجيه ، ثم هو كان يرى ربه طوال رسالته ، فان «يرى» توحي بالاستمرار دون «رأى» والفرق بين الرؤيتين : المعرفيتين ، أن المعراجية منهما مزوّدة بزاد التدلي ، وليست الدائمة هكذا ، فإن الحياة الرسالية وفي الأرض وبين الناس ، تتنافى والتدلي ، الذي هو تحلّل عن كل شيء ، وتغافل حتى عن نفسه فضلا عمن سواه ، إلا الله والله فقط.
إن صاحب المعراج رأى ربه هناك بنور اليقين ، وعلى حدّ المروي عنه صلّى الله عليه وآله وسلّم : «لم أره بعيني ورأيته بفؤادي مرتين» جوابا عن سؤال : هل رأيت ربك؟ ثم تلا (ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى)(٢) وقال : «نوراني أراه» (٣) : أن «خرق له في الحجب مثل سمّ الإبرة فرأى من نور العظمة ما شاء الله أن يرى» على حدّ المروي عن الامام الرضا عليه السّلام (٤)
وما نور العظمة بعد خرق الحجب إلا نور المعرفة النهائية ، الممكنة لمن سوى الله.
(وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى) : وقد توحي أن الرؤية الأولى كانت عند النزلة الأولى ، وبعد ما وصل إلى عمق من المعراج : سدرة المنتهى ، وأنه صلّى الله عليه وآله وسلّم عرج
__________________
(١) التوحيد للصدوق باسناده إلى محمد بن الفضيل قال : سألت أبا الحسن (ع) هل رأى رسول الله (ص) ربه عز وجل؟ فقال : نعم بقلبه رآه ، أما سمعت الله عز وجل يقول : ما كذب الفؤاد ما رأى ، لم يره بالبصر ولكن رآه بالفؤاد.
(٢) الدر المنثور ٦ : ١٢٤ ـ أخرجه جماعة عن كعب القرظي عن بعض الأصحاب عنه (ص) ..
(٣) الدر المنثور أخرجه مسلم والترمذي وابن مردويه عن أبي ذر قال سألت رسول الله (ص) هل رأيت ربك؟ قال : ..
(٤) القمى بإسناد متصل عن علي بن موسى الرضا (ع) في حديث.