فلنفرض ان الملائكة بنات الله! وانهم معبودون من دون الله! ولكنهم ـ لو صدقت تمنياتهم فيهم ـ ليسوا بشفعاء عند الله ، إلّا لمن ارتضاه الله ، دون فوضى رغم تقولهم (هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ) (١٠ : ١٨) فإنما الشفاعة كلها لله ، وبإذن الله (لِمَنْ يَشاءُ وَيَرْضى) من الشافعين والمشفّع لهم سواء ، دون فوضى هنا أو هناك.
(إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثى. وَما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً) :
كلام في العلم والظن :
مما لا بد منه أن تكون كل حالة نفسية أمام الواقع ، مسنودة الى برهان مبين ، سواء أكانت قطعا أو علما أو ظنا أو شكا أو وهما (١) وإن كان البرهان هو عدم وجود الدليل أو عدم وجدانه ، فالظن غير المسنود إلى دليل وثيق مرفوض ، فإنه ظن الهوى وليس ظن الهدى.
وهنا يندد بظن الهوى مرة أخرى بعد ما مضى : (ما أَنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ إِنْ(٢) يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى).
فالظن ظنان : ظن من هوى وهو مرذول ، وظن عن هدى وإليها وهو
__________________
(١). من الملاحظ ان القرآن قد يصف الشك بانه مريب ، مما يدل على أن من الشك ما لا يريب ، فالشك المريب هو المسنود إلى برهان متين يسببه ، وغير المريب ليس الا شك الهوى ، وكما ان من العلم واليقين ما هو نابع عن الهوى ، ومهما لم يمكن ردع هذا القاطع عن قطعه ما دام قاطعا ، الا ان بالإمكان تنبيهه على خطأ الطريق ، وبذلك يزول قطعه ، وهكذا قطع ليس بحجة لأن مقدماته الخاطئة اختيارية ، مهما لم تكن ازالة القطع دون نظر ثانوي ثاقب الى المقدمات خارجة عن الإختيار.
وقد يسمى القطع والعلم الحاصل عن الهوى ظنا ويراد به الوهم ، كما يراد من الظن في الآيات الرادعة عن الظن والعمل به.