واما الفواحش بصورة خاصة فهي المتجاوزة من المعاصي ، تجاوزا الى غير العاصي ، او تجاوزا حد العبودية كأنه خارج عنها ، ويجمعهما : ما عظم قبحه من الأفعال والأحوال والأقوال ، ظاهرة وباطنة : (قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ ...) (٧ : ٣٣)
والفاحشة المتجاوزة الى الغير أفحش من غيرها : (وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ) (٣ : ١٣٥) فقرن ظلم النفس بفعل الفاحشة يوحي أنها هنا ظلم الغير ، فرديا او جماعيا : كالزنا واللواط اللذين يدنسان المجتمع ، ويعملان الفوضى في الأنساب فالزنا : (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلاً) (٤ : ٢٢) واللواط : (وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ) (٢٧ : ٥٤).
وفي «يجتنبون» ايحاء الى طبيعة الاجتناب ، ان المحسنين يعيشونها كأصل في القمة من أصول الحياة فلا ينافيه الانفلات أحيانا الى شيء من كبائر الإثم والفواحش ، ما لم يصبح طبيعة ثانية لهم ، فالمؤمن قد تأخذه نازلة الفاحشة والكبيرة وجنونهما (١) ولكنه ما يلبث إلا أن يستغفر الله وكما يقول الله في أوصاف المحسنين (وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (٣ : ١٣٥) ففعل الفاحشة للمؤمن من اللمم ، ومن معانيها النازلة والجنون الغفلة ، اللتان قد تنزلان به.
كما وأن قضية الاستثناء هنا «إلّا اللمم» الظاهر في الاتصال ، أن اللمم ، ـ او ان منها ـ كبائر الإثم والفواحش ، النازلة به أحيانا بجنون الغفلة وفنون الغفوة ، وقد أتته صلّى الله عليه وآله وسلّم امرأة فشكت اليه لمما بابنتها ـ وهي طرف من الجنون ، وعلى حد المروي عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم : «اللمم هو الذي يلم بالخطرة من الزنا ثم لا يعود ويلم بالخطرة
__________________
(١) اللمم النزول ، والملمة النازلة الشديدة ، واللمم الطائف من الجن والجنون مسا ، فمقارفة الكبيرة للمؤمن حالة من الجنون واللاوعي التي قد تعتريه ثم تزول.