يوصف به الشيء المكروه المذاق ، ومن عادة من يلاقي مكروهه أن يتهيج وجهه ، بما يدل على نفور جأشه وشدة استيحاشه ، فكذلك المجرمون إذا شاهدوا أما رأت العذاب ونوازل العقاب ، ظهر في وجوههم المنكر ، ما يستدل به على فظاعة حالهم ، فكانوا كلائك المضغة المقرة ، وذائق الكأس الصبرة في فرط التقطيب ـ ف (السَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ).
(إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ ، يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ) ..
انهم في ضلال مستمر وسعر متسعر يوم الدنيا ويوم الدين ، عكس ما كانوا يتقولون (أَبَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذاً لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ) فهذه القولة الضالة المتسعرة هي من ضلالهم ، الذي هو عذاب للعقول ـ لو كانت ـ وللنفوس ، ومن جرائها وورائها سعر الحياة الجهنمية البائسة ، وفي آخر المطاف : (يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ) كما يسحب الحمر المستنفرة ، وليعرفوا ويذوقوا واقع ضلال وسعر (ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ)؟ فبقدر ما أجرموا يذوقون مس سقر ، وبقدر ما قدروا الهدى ضلالا وسعرا ، سوف يكونون في ضلال وسعر ـ ف :
(إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ) :
خلق بقدر ، وتقدير بقدر تكوين بقدر وتشريع بقدر ، ثواب بقدر وعقاب بقدر (١) في كل شي : (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً) (٢٥ : ١) (وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ) (١٣ : ٨) فخزائن كل شيء عنده كخلق كل شيء منه : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ) (١٥ : ٢١) ان كان امرا من الأمور
__________________
(١) في كتاب كمال الدين وتمام النعمة عن الحسن بن علي (ع) عن علي (ع) انه سئل عن قول الله عز وجل (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ) فقال : يقول عز وجل : انا كل شيء خلقناه لأهل النار بقدر اعمالهم ، أقول : وهذا من التفسير بالمصداق المذكور قبل الاية.