(حم. تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ)
(حم) .. هذه وسائر مفاتيح السور التي افتتحت بأمثالها من حروف مقطعة ، إنها رموز غيبية بين الله ورسوله ، وهي مفاتيح كنوز القرآن ، لا نعلم منها شيئا إلّا ما قد يلوح من القرآن ، أو ما أبداه لنا الذين بأيديهم هذه المفاتيح من الراسخين في علوم القرآن ، الموجهة إليهم خطاباته الرسالية : أصليا كالرسول وفرعيا كالأئمة من آل الرسول (١).
و (حم) هذه ، تتقدمها حواميم ست ، إلّا الشورى الزائدة على الحرفين «عسق» وما هو رمز تتابع هذه الحواميم السبع وكلها مكية (٢)؟ الله أعلم! فهذا رمز فوق هذه الرموز لا سبيل لنا إلى الاطلاع عليها إلّا ان يطلعنا الله بالقرآن نفسه ، أو بأصحابها ، وقد يروى عن الرسول (ص) قوله : «الحواميم تاج القرآن» (٣).
وكما يوحي تتابع ذكر الكتاب أيضا بعد (حم) في هذه السبع ، ان رمزه يناسب القرآن كلّه ، إنزالا وتنزيلا ، بيّنا ومبينا (٤) وكما يعقبها ذكر من كتاب التكوين ، إيحاء بتجاوب الكتابين وتلائمها ، كما هما مع الحواميم.
__________________
(١) تجد البحث المفصل عن هذه الرموز وما قيل أو يحق ان يقال فيها ، في مواضيع اخرى في هذا التفسير لا سيما سورة البقرة.
(٢) المؤمن ـ السجدة ـ الشورى ـ الزخرف ـ الدخان ـ الجاثية ـ الأحقاف.
(٣) المجمع عن انس بن مالك عن النبي (ص).
(٤) ففي الأحقاف هنا وفي الزمر بعد السبع «تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ» وفي السجدة «تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وفي المؤمن تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ وهذه ناضرة الى النزول التدريجي وكما في الشورى كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ والزخرف وَالْكِتابِ الْمُبِينِ إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ» ثم الدخان ينظر الى النزول الدفعي وَالْكِتابِ الْمُبِينِ إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ ثم الزخرف قُرْآناً عَرَبِيًّا ناظرة الى انه بيان ، والدخان وَالْكِتابِ الْمُبِينِ الى انه مبين ، فهذه السور هي على دعائم كون الكتاب بيانا ومبينا ومنزلا ومنزلا.