إنها سورة «محمد» إذ تفتتح بفرض الإيمان به كشرط أصيل للإيمان بالله والعمل الصالح ، وإلا : ف ـ (أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ) وهي أيضا سورة «القتال» إذ تحمل لفظة القتال : (وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ) وعلها تعنيها ، وكما تحمل معناه : (فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ) وهي ـ أخيرا ـ سورة : (الَّذِينَ كَفَرُوا) فإنها الآية البادية لها (١). فهي إذا سورة : محمد ـ القتال : الذين كفروا ـ تبرز محمدا (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كمقاتل مقدم يقود حزب الله في حرب أعداء الله!.
هذه السورة تحمل سيرة المؤمنين والذين كفروا في الدنيا ومصيرتهم في الاخرى بما تصف من أعمالهم ، ففريق في الجنة وفريق في السعير ولا يظلمون من نفير :
(الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ).
(الَّذِينَ كَفَرُوا) هم «وصدوا» أنفسهم وغيرهم (عَنْ سَبِيلِ اللهِ) أن سدوا هذه السبيل عن عباد الله ، فصدوهم عن سبيل الله : منعا للناس عن الاتصال برسول الله ، وتضليلا للواصلين كيلا يواصلوا سيرهم إلى الله ، أو يرجعوا فيكفروا كما هم كفروا فيكونوا سواء في الكفر بالله ، وهم يأملون النجاح بما يعملون (٢) اهتداء إلى بغيتهم في ضلالهم وفي إضلال عباد الله ـ هؤلاء : (أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ) : (أَضَلَ) الله (أَعْمالَهُمْ) بما أضل كفرهم وصدهم عن سبيل الله (٣) فأعمالهم
__________________
(١) في كتاب ثواب الأعمال باسناده الى أبي عبد الله (ع) قال : من قرء سورة (الَّذِينَ كَفَرُوا) وفي الدر المنثور ٦ : ٤٦ عن عبد الله بن الزبير قال نزلت بالمدينة سورة (الَّذِينَ كَفَرُوا) وفيه عن ابن عباس روايتان : أنزلت سورة القتال بالمدينة .. سورة محمد ..»
(٢) فالكفر والصد عن سبيل الله يحملان أملا هادفا ، ثم الضلال يعني قطع هذا الأمل عن هكذا عمل.
(٣) ما أجمله الجمع بين فاعلين ل «أضل» هما : الله وكفرهم وصدهم عن سبيل الله ، فان الله لا يزيغ الا من زاغوا «فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ».
(الفرقان ـ م ٦)