من الجرأة وحرية التصرف في توزيع آيات القرآن! وكأنه يرى أن تقسيم آي القرآن خاضع لاجتهاد ورأي الخليفة فقو ـ له: لو كانت ثلاث آيات لجعلها سورة على حدة ، فانظروا سورة من القرآن فألحقوها في آخرها ، واضح فيه، ويستفاد منها أن هاتين الآيتين ليستا في محلهما الصحيح من القرآن ، بل أقحمتا في مكان وقع اختيارهم عليه ، وهو آخر براءة.
الجمع زمن عثمان :
ومما أخرجه ابن أبي داود في كتاب المصاحف : فقام عثمان فقال : من كان عنده من كتاب الله شيء فليأتنا به ـ وكان لا يقبل من ذلك شيئا حتى يشهد عليه شهيدان ـ فجاءه خزيمة بت ثابت فقال : إني قد رأيتكم تركتم آيتين لم تكتبوهما. قالوا : ما هما؟ قال: تلقيت من رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم : (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ) (١) إلى آخر السورة ، فقال عثمان : فأنا أشهد أنهما من عند الله ، فأين ترى أن نجعلهما؟ قال : اختم بهما آخر ما نزل من القرآن ، فختمت بهما براءة. (٣)
وهذه تنص على أن دمج الآيات المتفرقة في السور لم يكن توقيفيا ، فقول ابن عفان : (فأين ترى أن نجعلهما؟) واضح في عدم معرفته بمكان الآيتين
__________________
(١) التوبة : ١٢٨.
(٢) كتاب المصاحف لابن أبي داود ١ :١٨٢، ح ٣٣ وهو منقطع كما مر. وهو في كنز العمال ٢ : ٣٦١ (جمع القرآن) وفتج الباري ٩ : ١٥ ،أقول من غير المعقول أن تتكرر الحادثة بنفسها مع عمر وعثمان ، ولكنا ندور مع رواياتهم في هذا المقام.