الاستدلال رأساً ، قال ابن الأنباري : لما ذكر الله الإنزال والمنزلِّ والمنزَّل دلّ وذلك على المنزَّل عليه ، فحسنت الكناية عنه لكونه أمرا معلوماً ، كما في قوله (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) (١) ، فإن عود الضمير إلى القرآن مع عدم تقدّم ذكره لكونه معلوما من المقام.
توجيههم الأول هو ما اعتمدوا عليه ، فان ظاهر الآية غاية ما يدل عليه هو تعهد الله عزّ وجلّ بصيانة القرآن من التحريف ، ولكنها ساكتة عن شخص هذا القرآن والمصحف الذي تكفل المولى بحفظه ، فلا يلزم من التسليم بدلالة الآية على صيانة القرآن من التحريف أن يكون هذا الحفظ لجميع مصاحف المسلمين ، بل يكفي حفظ القرآن عند إمام المسليمن وقائدهم حتى يتحقق عنوان الحفظ في الآية الكريمة ، وعلى قولهم يكون الله عزّ وجلّ قد تعهد بحفظ القرآن عند المستودع للشريعة وهو الإمام المعصوم في كل زمان ففي أول الأمر كان عند الأمر كان عند الإمام علي عليه السلام ومنه إلى الحسن ثم الحسين. وهكذا إلى أن استقر الآن عند صاحب العصر الإمام المهدي عليه وعليهم السلام ، والآية أجنبية عن التعهد بحفظ القرآن عند جميع الناس وفي كل مصاحف المسلمين ، فلا تعارض بين روايات التحريف والآية الكريمة.
وكذا لم تثنهم الآية الكريمة : (لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) (٣). عن مدعاهم ، فقالوا رداً على من استدل بالآية
__________________
(١) القدر : ١.
(٢) فصلت : ٤٢.