حين تقف قدرة الإنسان ـ أو أيا كان ـ وكل محاولاته ، يقف علمه وينتهي دوره المختار ، فتنفرد القدرة الإلهية وعلمه وأمره ويخلص الأمر كله لله وهنا لك يخسر المبطلون (فَلَوْ لا تَرْجِعُونَها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) :
(فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ. فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ. وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ. فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ. وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ. فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ) :
جولة ثانية تختصر الاولى ، وتزيد عليها في الجزاء بين الموت والمعاد ، فالاولى تستعرض الجزاء منذ القيامة الكبرى : (إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ .. فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ). وهذه تستعرضها منذ الاحتضار والموت وإلى القيامة ، (فَلَوْ لا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ).
في هذه الجولة نرى المقربين في مثلث الرحمة ، علّ الروح والريحان للبرزخ ، وطبعا جنة نعيم وهي الخلد للآخرة (١) ، كما وان المكذبين الضالين في مثنى : (فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ) علّها للبرزخ ، و (تَصْلِيَةُ جَحِيمٍ) وليست إلا للآخرة (٢) ومن ثم لأصحاب اليمين وهم الامة الوسطى بينهما ، واحد يعم سلام الإكرام والانعام ، منذ الموت إلى يوم القيام.
وترى ما هما الروح والريحان؟ ان الرّوح والروح من أصل واحد ، ثم اختص الثاني بالنفس ، والأول بالنفس المتنفسّ ، وهما ما به الحياة ، حياة الأصل للروح ، وحياة النزهة للروح ، فالمقربون يتنفسون بالموت عن خنق ما كانوا وحنقه ، ثم يزيدهم روحا وروحا وريحانا ، وعل الروح هنا رحمة نفسانية روحانية ، ونسمة من جنة الرضوان ، ونفحة من معرفة الرحمان ، ويا لها
__________________
(١) امالي الصدوق باسناده إلى موسى بن جعفر عن أبيه الصادق جعفر بن محمد (ع) في حديث : (فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ) يعني في قبره (وَجَنَّةُ نَعِيمٍ) يعني في الآخرة.
(٢) اصول الكافي وأمالي الصدوق بهذا الاسناد (وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ) يعني في القبر (وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ) يعني في الآخرة.