الماء والهواء أو أيا كان ، فالمسبح لله يمر سريعا في ممرات نفسه وسائر الكائنات ، دون وقفة ولا ريبة ، ويحمل معه تنزيه الله ذاتا وصفات وأفعالا وأسماء وأحكاما أم ماذا ، لأن الكون محراب واسع تسجد فيه الكائنات لربها وتنزّهه عما لا يليق به.
وترى التسبيح فقط من (ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ)؟ دونهما ومن فيهما وهم أقدر وأحرى؟ .. إنه للكائنات كل الكائنات : (تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً) (١٧ : ٤٤) (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللهُ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ) (٢٤ : ٤١) (وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فاعِلِينَ) (٢١ : ٧٩).
فالكائنات كلها تسبيحات لله بما لا نفقهه ، من التسبيح عن شعور وإدراك ممن نحسبهم غير عقلاء ولا مدركين ، أو ما نفقهه من تسبيح اختياري لمن يعرفون الله بدرجاتهم ، أم ذاتي لمن يكفر بالله ، فذاته في صفوف الكائنات تسبح الله عما لا يليق به من ذات وصفات أم ماذا.
فالعارفون الله ، ومن يدق أبواب المعرفة بالله يرون الله مسبّحا عبر سير البصر والبصيرة في آيات الله ، أنفسية وآفاقية (سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ) (٤١ : ٥٣).
فالكائنات بذواتها وصفاتها وحالاتها ، بأفعالها وأقوالها وكل ما لها : (سَبَّحَ لِلَّهِ) أفلا تدل ذواتها الفقيرة البائسة على نزاهته تعالى عن البؤس والفقر ، أو لا تدل دلالة جامعة تضم سائر الدلالات أن الله مسبّح الذات والأفعال والصفات عما للكائنات كل الكائنات من ذوات وصفات : «هو خلو من خلقه وخلقه خلو منه» «كلما في الخلق يمتنع عن خالقه ، وكل ما في الخالق يمتنع عن مخلوقه» والى غير ذلك من مفارقات بين الواجب والممكنات.