هؤلاء الأماجد ، لا المسيحيين الناكرين للرسالة الإسلامية ، جاهدين لها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوّا ، أو الكارهين للفحص والتحري عنها ، المتجاهلين عنادا الحق فيها ، وأما الجاهلون القاصرون منهم ، المؤمنون ، فلهم أجرهم ولا يظلمون نقيرا.
(وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللهِ فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ) :
وما هي الرهبانية المبتدعة؟ وكيف يجمع بين البدعة والكتابة الإلهية؟
وما هو حق رعايتها؟ وهل في الإسلام رهبانية كما في المسيحية؟
الرهبانية في أصلها من الرّهبة : الخوف مع تحرّز واضطراب ، والرهبانية من الله مأمور بها : (إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ) (١٦ : ٥١) (إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً) (٢١ : ٩٠) ، وهي من غير الله منهي عنها ، (فَلا تَخافُوهُمْ وَخافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (٣ : ١٧٥) و (من خاف الله أخاف الله منه كل شيء ، ومن لم يخف الله أخافه الله من كل شيء).
وترى إذا كانت الرهبانية من الرهبة : الخوف ، فكيف تكون مبتدعة عند النصارى ، ومنهية عندنا؟! ...
أقول : لأنها شاكلة خاصة من الرهبة ، منسوبة الى الرهبان : المتعبدون الله في الأديرة والصومعات ، بعيدة معزولة عن المجتمعات ، فالرهبانية مصدر الراهب ، ثم تحوّلت اسما لما فضل عن المقدار وأفرط فيه ، أن تعيش بعيدا عن الحياة والأحياء ، شاغلا عن حاجيات الدنيا الى عبادة الله ، بترك ملاذها والزهد والتقشف فيها ، والعزلة عن أهلها وتعهّد مشاقها وكأنك في قبرك! فالرهبنة من مبتدعات النصارى وليست من مبتدءات الله في أية شريعة من شرائعه ، ولكن الله كتبها عليهم بعد ما ابتدعوها ، في إطارات خاصة وظروف