فمن حق الرعاية للرهبانية حصرها بزمن التقية ، حفاظا على دين الله وعلى البقية الباقية من المؤمنين بالله ، وأما أن يترك فيها اللذات المحلات كأنها محرمات ، كالنساء وأمثالها فلا!.
وأما أن يستمر بها في كل زمن كأنها من صلب الدين وحتى زمن القدرة على إظهاره والدعوة اليه ، وكما قد يفعله الرهبان المسيحيون ، فلا.
ومن حق رعايتها الإيمان بالرسول المبشر به من المسيح والنبيين قبله : محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم كما قال : «من آمن بي وصدقني فقد رعاها حق رعايتها ومن لم يؤمن بي فأولئك هم الهالكون» ، فإن الرهبة الحقيقية من الله تحلّ عقد العصبية ، وتشرح الصدر لتصديق ما وصى به الله.
فهؤلاء الكرام هم الذين آمنوا بمحمد صلّى الله عليه وآله وسلّم وصدقوه (فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ) : الذين كفروا به وجحدوه (١) «فلما بعث النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم انحط صاحب الصومعة من صومعته وجاء السائح من سياحته وصاحب الدير من ديره فآمنوا به وصدقوه» (٢) وهؤلاء هم القلة القليلة
__________________
(١) الدر المنثور ٦ : ١٧٧ أخرج جماعة من الحفاظ عن ابن مسعود قال قال لي رسول الله (ص) : يا عبد الله! قلت لبيك يا رسول الله! ثلاث مرات ، قال (ص) : هل تدري أي عرى الايمان أوثق؟ قلت : الله ورسوله أعلم ، قال : أوثق عرى الايمان الولاية في الله بالحب فيه والبغض فيه ، قال : هل تدري أي الناس أفضل؟ قلت : الله ورسوله أعلم ، قال : أفضل الناس أفضلهم عملا إذا تفقهوا في الدين ، يا عبد الله هل تدري أي الناس أعلم ، قلت : الله ورسوله أعلم ، قال : أعلم الناس أبصرهم بالحق إذا اختلف الناس وان كان مقصرا بالعمل ، وان كان يزحف على استه ، واختلف من كان قبلنا على اثنين وسبعين فرقة نجا منها ثلاث وهلك سائرها ، فرقة وأزرت الملوك وقاتلتهم على دين الله وعيسى بن مريم حتى قتلوا ، وفرقة لم يكن لهم طاقة بمؤازرة الملوك ولا بالمقام معهم فساحوا في الجبال وترهبوا فيها وهم الذين قال الله : (وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللهِ فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ) : الذين آمنوا بي وصدقوني (وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ) : الذين كفروا بي وجحدوني ، وروي الذي قبله ابن مسعود عنه (ص).
(٢) المصدر أخرج النسائي والحكيم الترمذي في نوادر الايمان وابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس في حديث طويل ...