المغفرة لا تنافي عدله ، ويكفي أن مصير الموحدين كلهم الجنة ، بعد المغفرة ، أو والعذاب فيما لا يتحمل المغفرة ثم الجنة ، فرحمته وسعت كل شيء (وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ).
أجل : وإن الخلق عامة ، وخلق الموت والحياة خاصة ، ليس جزافا دون هدف ، وإنما هو الابتلاء لإظهار المكنون في علم الله من سلوك المكلفين على الأرض ، بلوى : «بتكليف طاعته وعبادته ، لا على سبيل الامتحان والتجربة ، لأنه لم يزل عليما بكل شيء» (١) و «أكيس المؤمنين أكثرهم للموت ذكرا وأحسنهم له استعدادا» «فليأخذ الإنسان من حياته لموته» واستقرار هذه الحقيقة الحية من واقع الموت في ضمائر الأحياء ، يدعهم أبدا يقظين منتبهين حذرين واعين ، للصغيرة والكبيرة ، في النية المستسرة ، والعمل الظاهر ، لا يدعه يطمئن أو يستريح ، إلا أن يسامح عن عقله وضميره ، فإن حسن العمل ليس إلا من حسن العقل ، وعلى حد تفسير الرسول الأقدس (ص): «أيكم أحسن عقلا ، ثم قال : أتمكم عقلا ، وأشدكم لله خوفا ، وأحسنكم فيما أمر الله عز وجل به ونهى عنه نظرا ، وإن كان أقلكم تطوعا» (٢).
__________________
(١) «نور الثقلين» عن الاحتجاج للطبرسي عن الرضا ـ عليه السلام ـ في الآية : «فإنه عز وجل خلق خلقه ..».
(٢) «مجمع البيان» : أبو قتادة قال : سألت النبي (ص) عن قوله (أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) ما عنى به؟ فقال : يقول : أيكم أحسن عقلا.
وفيه عن ابن عمر عنه (ص) قال : «أيكم أحسن عقلا ، وأروع عن محارم الله ، وأسرع في طاعة الله» ، وفي الكافي عن الصادق (ع): «ليس يعني أكثركم عملا ، ولكن أصوبكم عملا ، وإنما الإصابة خشية الله والنية الصادقة ، ثم قال : الإبقاء على العمل حتى يخلص أشد العمل ، الا والعمل الخالص الذي لا تريد أن يحمدك عليه أحد إلا الله ، والنية أفضل من العمل ، ألا وإن النية هي العمل ، تم تلا قوله تعالى : (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ) يعني على نيته.