اولى الرسالات الفذة الإلهية يحملها أول الخمسة من اولي العزم من الرسل ، نوح عليه السلام ، وقد ذكر بدعواته وما لاقاه بسببها من قومه ٤٣ مرة في القرآن ، منها مدى دعوته: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عاماً فَأَخَذَهُمُ الطُّوفانُ وَهُمْ ظالِمُونَ) (٢٩ : ١٤). وهو اللبث الرسالي لذكره هنا بعد الرسالة ، وقومه هم بنو الجن والإنسان كافة (١) كما في اولي العزم كافة ، ولذلك حق له ان يدعو على من على الأرض من الكافرين : (رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً) فلو لم تشملهم دعوته لم يحق له هكذا دعاء شامل ، ومن لطيف الأمر في دعوته الاليفة الرحيمة طوال قرونه العشرة ان القرآن يعتبره أخاهم : (إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلا تَتَّقُونَ) (٢٦ : ١٠٦) فانها اخوة لهم فيما سوى الايمان : ان نشأ في البيئة التي نشأوا فيها فلم يتأثر بضلالها ، وعاشرهم ودعاهم إلى الله كأخ رحيم ، إلى ان تأكد بالوحي ان لا خير فيهم وفي أنسالهم ، فانما هم شر خالص : (إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً) فقد صبر على اذاهم المتواصل طول الدعوة علّهم يؤمنون ، فهل يصبر إذا انقطع الأمل وتفاقم العناد منهم في ضلالهم ضد الدعوة والمؤمنين بها ، إنه صبر على الظلم والضيم وعلى انتقاض شريعة الله وانتقاص دعوته ، ولا يرضاه العقل والعدل!
الشريعة الأولى
هل إن شريعة نوح عليه السلام هي الاولى فلم تكن قبله شريعة من الدين مع أي من النبيين؟ ام كان الوحي إليهم يحمل تقوية الأحكام العقلية دون أن يحمل احكاما شرعية؟ ام لم يكن قبل نوح أنبياء؟ لا سبيل إلى الأخير والأولان هما الأوليان.
فإن القرآن لا يذكر من شرائع الدين إلا خمسا محتصرة : (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى
__________________
(١) نور الثقلين ٥ : ٤٢١ عن الباقر (ع) فاما نوح فانه أرسل الى من في الأرض بنبوة عامة ورسالة عامة.
(تفسير الفرقان ـ ج ٢٩ ـ م ١٠)