ولقد وصفت هذه السبع بأوصاف عدة ، كالشداد والطباق ، مما تدلنا على خروجها وتحللها عن الحالة الدخانية قبل تسبيعها ، إلى حالة أخرى وحالات ، ومن ذلك قصورها ومصابيحها ومدنها الشداد الطباق.
وإنها طباق لتطابقها بعضها على بعض ، وتشابهها مع بعض ، وتماسكها ببعض ، وترابطها ماديا ومعنويا مع بعض ، وتآخيها بما أنها ولدت من الدخان الأم : (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ .. فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ).
فلما ذا تتهافت وتتفاوت؟ فإنها والخلق كله ـ كخلق الله ـ لم تخلق متفاوتة ، وإنما التفاوت من الخلق نفسه ، تخلفا عما خلق له ، وأراد الله منه :
(ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ) :
إن رحمانيته تعالى ، وهي رحمته العامة الشاملة لخلقه أجمع ، إنها تشهد بعدم التفاوت والتهافت في خلقه كخلقه ، فللائتلاف خلقهم لا للاختلاف : (وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ. إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ) (١١ : ١٩) رحمة التآلف في التكوين ، وأخرى في التشريع ، وثالثة لمن يطبق التشريع ، توفيقا لما أراده من الرحمة «فالخير كله بيديه والشر ليس إليه» فالمخلوقون هم المتفاوتون المتضادون مع بعض ، تخلفا عن شرعة التكوين والتشريع ، ولكنما الخالق لا يخلق متفاوتا متهافتا ، مما يدلّ على وحدته ورحمته ، ف (ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ).
هل ترى من فطور؟
(ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ ، ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ).
هنا يؤمر من له بصر وبصيرة لينظر في خلق الرحمان نظر الناقد البصير ، هل يرى من اختلال وفطور؟ فلينظر نظرة أولى ف (ما تَرى) ثم ليرجع البصر عله يجد ما ضل عنه في الأولى (فَارْجِعِ الْبَصَرَ) ثم ثالثة هي الكرة الثانية :