من لفظه ، إنما هي فيما تطلعه الأرض من نباتها ، وتخرجه عند ازدراعها ، ولما كان الله سبحانه يخرج البرية من مضائق الأحشاء إلى مسافح الهواء ، ويدرجهم من الصغر إلى الكبر وينقلهم من الهيئات والصور ، كل ذلك على وجه الأرض ومن الأرض ، لذلك صح التعبير عنه بكونه نباتا وان لم يشمله على الإطلاق.
أنت تبيع أحيانا ما عندك من البقل ، فأنت حقا بايع البقل ، فهل أنت إذا بقال! .. انما البقال من شغله بيع البقل ، وكذلك النبات ـ حين إطلاقه ـ لا يشمل كل نابت من الأرض ، وإنما لقرينة خاصة كما هنا.
فهذه الآية ونظائرها توحي بالوحدة بين أصول الحياة الارضية مهما اختلفت نشئاتها وألوانها وأشكالها وأسماؤها ، وكلها من نبات الأرض.
فالإنسان الأول نابت من تراب الأرض ، ثم نسله كذلك منها ، من ترابها ومائها وثمارها التي هي نتيجة التزاوج بين ما يخرج من بين الصلب والترائب ، ثم في الرحم ينمو بادواره وأطواره مما يصله من الأرض ونباتها ، ثم يعيش ـ بعد ما يولد ـ على هذه الأرض بما تنبت.
وانباته نباتا دون إنباتا ، خلاف ما يقتضيه بناء فعله ، علّه للإشارة إلى أزواجية خلق الإنسان : من فعله تعالى : «الإنبات» وهو الأصل في خلقه ، ومن فعل الأرض الذي هو أيضا راجع إلى فعله : «النبات» فهو أنبتكم منها ، فنبتم منها نباتا بفعلها وتفاعلها ، وبما تزرعون وتأكلون فتولدون : فعل الله وفعل الخلق.
فالأرض الأم هي التي تلده بما تلده أمه ، ثم تعيده في رحمها بعد انقضاء أجله ، ثم تلده ثانية لحياة الحساب والجزاء.
ومن لطيف التناسب هنا أن السجود في الصلاة يفسر لنا عمليا هذه المراحل الثلاث ، فالسجدة الأولى لله أن أنبتنا من الأرض نباتا ، نسجد شكرا له ولنشر برفع رؤسنا عن السجدة الاولى ، إلى سبب الشكر : (أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً) ثم نسجد ثانية ، إشارة إلى الإعادة (ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيها) فالموت نعمة