هذه الآيات تتحدى الناقدين ، أن ينظروا في خلق الرحمان ، هل يقع نظرهم ، بعدّته وعدّته ، على شق أو صدع أو خلل؟ .. (هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ) : من وهي أو وهن ، به يتصدع أو ينصدم ، وهذه النظرة الفاحصة المتأملة هي التي يريدها الله : للمؤمنين لكي يزدادوا إيمانا ، ولغيرهم ليزدادوا حجة تحسم مواد الشك والريبة عن قلوبهم ، وغشاوات الأوهام عن أبصارهم ، فبلادة الألفة تذهب بروعة النظرة إلى هذا الكون الرائع العجيب الجميل الجليل ، لا تشبع العيون من تملّي جماله وروعته ، ولا القلب من تلقّي إيماءاته وإيحاءاته ، ولا العقل من تدبر نظامه بقوانينه ، فليعش الإنسان نظرا في خلق الرحمان ، ولكي يعرف عجزه وقدرة الرحمان ، وجهله يجنب علمه ، ونقصه حيال كماله.
ومن الرائع جدا أن قراءة كتاب التكوين لا تحتاج إلى ثقافة زائدة ، ودراسة خاصة ، وإنما بصر وبصيرة منح الله الإنسان إياهما وإن كانا في درجات ، وإن كان للعلم أثرا عميقا في مزيد المعرفة ، ولكنما القرآن يخاطب ساكن الغابة والصحراء ، كما يخاطب ساكن المدينة ورائد البحار وغازي الفضاء على سواء! ولأنه كتاب الناس أجمع ، يحمل هداية الناس أجمع.
وكما قلناه مسبقا : إن التفاوت المنفي هنا هو التضاد والتنافي وعدم انسجام والتحام أجزاء الكون ، في أصل الكيان والنظام ، فهذه أرضنا تحول حول نفسها وحول شمسها في جادة فضائية ، لا تنزلق عنها ، ولا تبطئ ولا تزيد عما قرر لها من حراكها ، ونرى كذلك كافة السابحات في يمّ الفضاء ، بالمليارات المليارات ، فكل في فلك يسبحون ، دون اصطدام واصطكاك واحتكاك ، مما يدل على أن عليها سائق واحد مدبر حكيم.
فكلما تواترت الأنظار الدقيقة إلى خلق الرحمان ، لم تزدد إلا زيادة المعرفة بنظمه الشامل ، وتنسيقه الكامل ، دون تفاوت فيه ، ولا نقص يعتريه.
ترى رحمانية الخالق ـ نتيجة كرور الأنظار ـ من خلال هذا الكون ،