وهنا نلمس التوحيد الخالص إذ يتوارى كل ظل لكل أحد ، ولكل قيمة ، ولكل اعتبار ، ويتفرد الجو ، عبادة ووسيلة لها ومكانا وزمانا وأعضاء للسجود : يتفرد ويتمحض لله الواحد القهار.
(وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللهِ يَدْعُوهُ كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً)
اللّبد هي لبد الشّعر ، وهي طرائقه وقطعه التي يركب بعضها بعضا ، جمع لبدة من لبدة الأسد وهي الشعر المتراكب على مناكبه ، وذلك أبلغ ما شبهت به الجموع المتعاضلة ، والأحزاب المتآلفة الذين كادوا يكونون عليه لبدا ـ إذ قام عبد الله في عبادة الله ـ لبد الخير والشر.
(لَمَّا قامَ عَبْدُ اللهِ) : الرسول الأقدس محمد بن عبد الله صلّى الله عليه وآله وسلم ، وما أحلاه وصفا له بعبد الله وهو أول ما نشهد له من مكارمه ثم تتلوه الشهادة بالرسالة : «وأشهد أن محمدا عبده ورسوله» فانه لم يحمل الرسالة الإلهية إلا بعد أن استكمل شرف العبودية لله ، فقد كان قيامه للتعريف بأنه وسواه من الخلق عباد الله ، وأن عليهم أن يعبدوا الله.
(لَمَّا قامَ عَبْدُ اللهِ يَدْعُوهُ) : قيام الرسالة منذ بزوغها ، والقيام بما تتطلبه ، والقيام بالصلاة التي هي خير موضوع منها ، قيامات هامات وكأنها طامات ، ومن شدة وطأتها وسموها وصمودها :
(كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً) واللبدة الاولى هم المشركون ، جموعهم المتلبدة المتكاثرة المتظاهرة التي كانت تجتمع عليه متلبدة متألبة ، راكبة مترادفة ، متآلفة ضده كأنها لبد الأسد ، فمهما كانوا لبدا فعبد الله كان أسدا ضرغاما مغوارا لا تهمه لبده ، ولا تمنعه مهمته ، مهما حاولوا منعه! : (فَما لِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ. عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ) (٧٠ : ٣٧) يتسمعون في دهش ولا يستجيبون ، بل ويوقعون به الأذى ويعصمه الله منهم(١).
__________________
(١) الدر المنثور ـ اخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن الحسن في ـ