(قُلْ) لمن كادوا يكونون عليك لبدا : إيمانا وكفرا : (إِنَّما أَدْعُوا رَبِّي) : قيامي في الدعوة طوالها ، إنما هو لربي وإلى ربي (وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً) : إشراكا في دعوته أو ربوبيته ، أو في عبادته أن أرائي فيها ، وانما أدعو ربي بقلبي ومقالي وحالي وأفعالي (وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً) حتى نفسي ، فلست وكيلا عنه ولا كفيلا لكم ، فهو الذي بيده ناصية كلّ شيء ويملك الضر والرشد (قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَداً) ، لا ضرا في أرواحكم ولا في أجسادكم لا في دنياكم ولا في اخراكم ، ولا في دينكم ولا في أيّ من أحوالكم ، كذلك (وَلا رَشَداً) : لا لنفسي ولا لكم ، اللهم (إِلَّا بَلاغاً مِنَ اللهِ) :
(قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً. إِلَّا بَلاغاً مِنَ اللهِ وَرِسالاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً. حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ ناصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً).
لا فحسب (إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَداً) بل ولا لنفسي أيضا ، ف (لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللهِ أَحَدٌ) لو أراد بي ضرا (وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً) وإن كان لي مجير وملتحد فهو ليس إلا هو ، وما أنا إلا رسول لا أملك وحتى رسالتي ، فلا أملك فيما يملك إلا بلاغا من الله ورسالاته ، ملكا منه وبإذنه ، فلو شاء لذهب برسالتي وبلاغي وكما يميتني : (وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنا وَكِيلاً) (١٧ : ٨٦).
هنا وهنالك نجد الرسول الأقدس صلّى الله عليه وآله وسلم يؤمر أن يتجرد ـ نافضا يديه ـ من كل ادعاء لشيء هو من خصائص الربوبية ، ناقضا جارفا كافة الخصائص المزعومة لأنبياء الله وسواهم من قبل ، حاصرا كيانه في (بَلاغاً مِنَ اللهِ وَرِسالاتِهِ) وبذلك يتجرد الجن ـ وأحرى ـ عما يتقول لهم من المقدرة على الخير والشر ، وتتفرد الذات المقدسة الإلهية بهذه التصرفات ، ويستقيم التصور الإيماني على هذا التجرد الصريح.
ثم يختم (ص) تصريحاته تلك بتصريحة رهيبة مروعة جادة