(قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ ما تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً).
تلمح الآية أنهم سألوا الرسول متعنتين مستهزئين ، عن زمن العذاب ، كأنه يعلم من غيب الله شيئا ، فيؤمر أن يتجرد نافضا يديه من غيبه ايضا ، كما تجرد عن كل اختصاصة من اختصاصات الربوبية ، : قل إن أدري أقريب العذاب على الأبواب ، أم يجعل له ربي أمدا في الأولى ، أم الأمد العام لكل نفس لدى موته ، ـ فمن مات فقد قامت قيامته ـ أم أمد القيامة ، ولا علم لي لا بقربه ولا أمد من آماده الثلاثة ، فانه من الغيب :
(عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً. لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً).
(عالِمُ الْغَيْبِ) من اختصاصات الألوهية علم الغيب ، لا الغيب الذي يظهر بالتعلم أو التفكير أو الارتياضات النفسانية ، فإن بابه مفتوح لكل من دقه حقّه ، وإنما هو ما لا ينال بأية وسيلة غير إلهية ، وهذا الغيب منه مكفوف عمن سوى الله ، وحتى ملائكة الوحي ورجالاته ، فهو الغيب المطلق الذي لا يظهر ، ولا يظهر الله عليه أحدا ، ومنه مبذول لمن ارتضى من رسول ، يبذله لهم بالوحي دون أن يبذّله لغير المرتضين (فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ)(١).
والإظهار على الغيب هو التغليب عليه ، إما تعليما كسائر الوحي في الكتب المنزلة على رجالات الوحي ، وحي الأحكام ووحي الوقائع : الغابرة والحاضرة
__________________
(١) نور الثقلين ٥ : ٤٤٢ عن الباقر (ع) ان لله عز وجل علمين علم مبذول وعلم مكفوف فاما المبذول فانه ليس من شيء تعلمه الملائكة والرسل الا نحن نعلمه واما المكفوف فهو الذي عند الله عز وجل في ام الكتاب إذا خرج نفذ.