إنه لا بد للرسول إلى الناس كافة ـ وكثير منهم من النسناس ـ أن يحمل هذا القول الثقيل ، لأن التعامل مع الحقائق الكونية الكبرى ثقيل ، والاستقامة على هذه الرسالة الشاملة الأخيرة وراء الهواتف والجواذب والمعوقات والعراقيل ، إنها لثقيل ثقيل ، فلا بد له في ميادين الكفاح من حمل هذا القول الثقيل ، فليتزود من قيام الليل لتلقي هذا الثقيل ، ولكي يسبح في نهاره الطويل سبحا طويلا.
(إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً) ثقيل المصدر والصدور ، ثقيل المحتد والدوام ، ثقيل المنزل والنزول ، ثقيل التنفيذ مستحيل الأفول ، على سلاسة تعبيره ، ونفاذ أمره وعبيره.
(إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً).
فرض عليك ـ كرسول إلى الناس كافة ـ قيام الليل لدوافع ومنافع عدة : ١ ـ (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً) فلا بد له من التهيؤ ٢ ـ (إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلاً) لا يبقى لك معه مجال القيام بالصلاة وترتيل القرآن ٣ ـ (إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً) : فناشئة الليل هي العبادة التي تنشأ بعد العشاء ، نشوء النور في الظلام ، فالعبادة التي هي وليدة الليل وناشئته ، تفضل على عبادة النهار من حيث الوطء والقيل ، ولقد كان قيام الرسول (ص) بعد العشاء بسويعات منامه القليل ، وهو إذ أمر بقيام الليل كان أمرا بقيامه : عن النوم ، وبالعبادة ، تهجدا في أثنائه ، وترتيلا للقرآن في آنائه.
(هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً) : مواطاة : يواطئ فيها السمع القلب ، واللسان العمل ، لقلة الشواغل العارضة ، واللوافت الصارفة ، ولأن البال فيه أجمع ، والقلب أفرغ ، فالقراءة فيه أقوم ، والصلاة اسلم.
هي أشد مواطأة هكذا ، ولأنها أشد وطأة : أوعث مقاما وأصعب مراما ، فان مغالبة هتاف النوم وجاذبية الفراش ، بعد كدّ النهار وسبحه الطويل ، لها وطأتها وشدتها التي لا يطيقها إلا المخلصون ، فناشئة الليل ووطأته أشد.