(وَأَقْوَمُ قِيلاً) لأن قيله ثقيل إلا على الخاشعين ، وأنه يصدر من لباب القلب وخالق القلب أعلم بمداخله وأوتاره ، وما يتسرب اليه ويوقع عليه ، وأي الأوقات يكون فيها أكثر تفتحا واستعدادا ، فللصلاة فيها خشوعا ، وللمناجاة شفافيتها ولترتيل القرآن نورانيتها : إذا فوطأتها أشد ، وقيلها أقوم ، فإعدادها لسبح النهار ـ الطويل ـ أتم.
(إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلاً) ولا يناسب السبح إلا في غمرات المياه المضطربة الواسعة الفسيحة ، فان لك اضطرابا في غمرات المجتمع ، وتقلبا في جهاته ، ومتصرفا ومتسعا ، ومذهبا منفسحا ، تقضي فيه أوطارك ، وتبلغ مآربك ، وتنجي الغرقى من ورطات الغمرات العميقة ، وتحارب أمواجه الضاربة في الأعماق ، المضطربة ، فهذا السبح الطويل في نهارك ، بحاجة إلى تسبيح طويل في ليلك ، تسبيح يعدك للسبح ، ولكي تنجو من ورطاته ، وتنجي الناس جميعا من غمراته ، فانك سفينة النجاة!.
(وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً) : فقيامه (ص) يشمل ناشئة الليل ، بصلاته وترتيل القرآن ، وذكر اسم الرب ، والتبتل اليه تبتيلا ، وليأخذها زادا في سبحه الطويل.
(وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ) : ولأنك تحمل في رسالتك بلاغ الربوبية والتربية الإلهية ، فعليك أن تذكر اسم ربك بقلبك ، فهو مصدر الذكر ومورده أولا وبقالبك : بلسانك وجوارحك وفي كافة تصرفاتك ، ذكر القلب الحاضر مع اللسان الذاكر ، وأكمله الصلاة فانها كلها ذكر الله وتحميده وتمجيده وتعظيمه بالأقوال والأفعال والإشارات.
(وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً) .. هكذا ذكر شامل كامل يبتّلك إلى ربك ، فالانقطاع إلى الله على قدر الواقع من ذكر الله ، والتبتل إلى الرب هو الانقطاع الكلي عما سواه والاتجاه التام اليه ، والانفلات من كل شاغل وخاطر ، لكنما المرجو من تبتلك أن يحمل معه التبتيل (وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً) لا «تبتلا» تبتلا لك يحمل