فحاصل المعنى من الآية أنه (ص) أمر بتبتل التبتيل : ينقطع إلى الله على ضوء توفيق الله ، وسعيه هو كما يناسب تبتل العصمة ، وفي نفس الوقت يبتّل غيره الى الله ، ثم لا يشغله الاشتغال بغير الله في رسالته ، عن الله ، معان ثلاثة هامة تعنى من كلمات ثلاث (وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً).
وليكن كذلك (وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ) : انه ذكره تعالي في نفسه وأعماله وعلاقاته الشخصية مع الله (وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ) وذكره في نفس الوقت لمن أرسل إليهم (وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً) (٤ : ٦٣) دون تفاوت بين الذكرين ، فإنهما ذكر واحد لله ، كما ان تبتله واحد لله.
(رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً).
لئن سئلت : لماذا التبتل اليه وحده لا سواه؟ فالجواب أنه «ربك» لا فقط بل و (رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ) : العالم كله بما أنه لا يخلو من شارق وغارب أيا كان ، فالكون كله بين مشرق ومغرب ، لا يخلو عنها أي كائن ، ولأنه رب الكائنات أجمع. ف «لا إله إلا هو» ولربوبيته المطلقة وألوهيته الوحيدة (فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً) فالتوكل عليه هو التوكل على القوة الوحيدة في الكون كله ، وهو وحده الثمرة المباشرة للاعتراف بوحدانيته ، والرسول المنادى بالقيام وبالسبح الطويل نهار الدعوة ، إنه في حاجة ماسة لعبثه الثقيل في طريقه الشاق الطويل ، إلى تبتل إلى ربه وتوكل عليه ، ولكي يكافح كافة العراقيل في سبيله.
بديهي أن الإنسان وكل كائن أيا كان ، لا يستطيع أن يحيى حياة سعيدة ويحيي غيره بها ، بطاقاته الشخصية ، فلا بد له من وكلاء واعون ، وبما أن من سوى الله كيانهم الفقر إلى الله ، لا يملكون إلا ما ملّكهم الله ، فلا غنى في توكيلهم مهما كانوا أقوياء ، فهم بين قاصر ومقصر ، فكيف يتوكل عليهم ، وإنما الله وحده هو الذي يحق أن يتخذ وكيلا ، ولا يتخذ هو وكيلا ، وبينما نحن موكلّون وموكلّون ، لم يكن الله إلا وكيلا ، فيما اتخذناه وكيلا وما لم نتخذه