وكيلا ، فالوكالة هي الاعتماد ـ فيما تقصر عنه القدرة والعلم والحياة ـ على من له هذه القدرات أكثر من الموكل ، أو ما يقصر عنه الوقت لكثرة الأشغال ، والخلق كلهم قاصرون في هذه وتلك : مهما كان البعض أقوى من البعض ، ولذلك يتوكل الضعيف على القوي ، ولكنه لا غنى في هذه الوكالة القاصرة ، وإنما الوكالة الإلهية هي الكافية الكافلة لما نبغيه ، بعد ما كلّت مساعينا عن الوصول إلى المأمول ، ما لم يكن خلاف الحق والمصلحة : (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللهَ بالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) (٦٥ : ٣).
إن أسس الوكالة الناجحة غير الفاشلة ، لا توجد إلا في الله لا سواه : من سعة العلم: (وَسِعَ رَبُّنا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنا) (٧ : ٨٩) والعزة والحكمة : (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَإِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (٨ : ٤٩) والحكم في التكوين والتشريع : (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ) (١٢ : ٦٧) وانه المرجع للأمر كله : (وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ) (١١ : ١٢٣) ولحياته السرمدية : (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ) (٢٥ : ٥٨) وبصورة جامعة لأنه الله لا إله إلا هو كما في عشرات الآيات ، وهو خالق كل شيء وبذلك هو الوكيل على كل شيء دون توكل ، وعلى ما نبغيه مما له نسعى وإياه نطلب بالتوكل : (خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) (٦ : ١٠٢) فلولا وكالته تعالى على كل شيء لخرجت إلى اللاشيء ، ولولا التوكل عليه لكلت المساعي دون الوصول إلى ما نبغيه من شيء.
إنه ليست هناك وكالة إلهية لأحد على أحد ولا للرسول : (إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) (١١ : ١٢) اللهم إلا وكالات فاشلة جزئية لا غنى فيها عن الوكالة الإلهية ، ولا تعني وكالة الله بطلان المساعي والأسباب ، وإنما نقصانها ، ولذلك تتم الأسباب والمساعي بالتوكل على الله خالق الأسباب والساعين (وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً) (٤ : ٨١).
فالمسموح فيه هو السعي وتوكيل الغير بغية الوصول إلى المأمول ، والمحظور