هو التوكل على غير الله ، على نفسه أم سواها ، فالله يوكّل ويتوكّل عليه ، ومن سواه يوكل ولا يتوكل عليه ، وعلينا وكلاء وموكلين جميعا أن نتوكل على الله في إطارات ثلاث : نتوكل عليه فيما نعمل رجاء النجاح ، ونتوكل عليه فيما نأمل من وكلائنا ، ويتوكل وكلائنا على الله فيما توكلوا فيه من موكليهم ، فإليه يرجع الأمر كله. وكفى بالله وكيلا.
(وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً. وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَ (١) مَهِّلْهُمْ قَلِيلاً).
إن الصبر على تقولات الكافرين ، وهجرهم هجرا جميلا ، وعلى تكذيبهم لهذه الرسالة السامية ، كل ذلك دليل أن المزمل نزلت بعد المدثر ، نزلت بعد ظهور الدعوة ومجابهتها العراقيل ونعرات الفرية والتكذيب ، كما وان السبح الطويل نهاره ، دليل على أن المزمل نازلة بعد تطبيقه القيام السافر العام في المأمور به في المدثر ، وبذلك تؤيد الرواية الثانية أنه (ص) تزمل ذعرا ساخطا على تقولات قريش في ندوتهم الكافرة : انه ساحر أو مجنون نتربص به ريب المنون.
فهنا يؤمر الرسول بالصبر والهجر الجميل والتمهيل القليل ، بدل الجزع أو المقابلة بالمثل أو التنكيل ، وانه صبر لصالح الدعوة ، لا صبر المسايرة والاستسلام صبر يحمل كل جميل في الدعوة ، للداعي والمدعوين.
فالأمر بالصبر هنا يعني عدم الجزع الدافع الى الفرار عنهم : (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ) (٦٨ : ٤٨) (.. إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً) (٢١ : ٨٧) خروجا عن الدعوة وفرارا عن المرسل إليهم ، وكذلك عدم التزمل والوقوف عن الدعوة ، أو النقص فيها والتمهل عنها : (وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ) (١٠ : ١٠٩) وعدم التحزن عليهم : (وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ) (١٦ : ١٢٧) وعدم الاستعجال لهم بالدعاء عليهم : (فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ) (٤٢ : ٣٥) وأن يكون استقامة في الدعوة واتكالا فيها على نصر من الله : (وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ