في الإيقاع والإيلام ، وقد يوصف الإنسان الشديد الغيظ ، بأنه تكاد يتميز غيظا أي : تكاد أعصابه المتلاحمة تتزايل ، وأخلاطه المتجاوزة تتنافى وتتباعد ، من شدة اهتياج غيظه ، واحتياج طبعه واحتدامه ، فأجرى سبحانه هذه الصفة على نار جهنم ليكون التمثيل في أقصى منازله وأعلى مراتبه.
يا ويلاه! هل ألقيت فيها قنبلة ذرية فتميزت شاهقة فوارة؟ فإنها حصلت على عدتها بعد عدتها تحرق بها وتحترق ، تميز بها وتتميز ، وهكذا أعدها ربها لهذا اليوم العصيب! أعاذنا الله شره بحق الحبيب محمد وآله الطاهرين.
(كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ)؟ : إنما يلقون فيها أفواجا. فعذاب الإلقاء مهانة ، وعذاب الأفواج تطلعا واطلاعا ، بعضهم البعض ، وعذاب النار الشاهقة الفوارة بوردهم ، يضاف إليها كلها عذاب التنديد الشديد الذي لا جواب عنه إلا بلى!.
إنهم يساقون إلى جهنم ويلقون فيها أفواجا : (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً) (٣٩ : ٧١) جعل الخبيث على الخبيث وركمهم جميعا : (وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ) (٨ : ٣٧) ركما ولكي تشتعل النار وتتميز من الغيظ بركامة وقودها ، تناصرا في الصّلاء ، وكما تناصروا يوم الدنيا في إيقادها على المؤمنين.
والملائكة الغلاظ الشداد ، وهم أصحابها : (عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً) (٧٤ : ٣١) هؤلاء العدول الموكلون بالنار يسألون أصحابها : (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ) : حجة عليهم ، وتنديدا بهم أن جاءهم نذير ، إذ الهلاك يوم الدنيا ويوم الدين ، ليس إلا عن حجة مسبقة تحملها النذر : (ما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَها مُنْذِرُونَ) (٢٦ : ٢٠٨) ، فالنذر تكفي حجة يوم الدين ، ولو لم تغن أحيانا يوم الدنيا : (حِكْمَةٌ بالِغَةٌ فَما تُغْنِ النُّذُرُ) (٥٤ : ٥).
وإذ لا تنديد ولا عذاب لمن لم يأته النذر ، فما هذا التنديد الشديد بمن لم يأتهم! :